رجل الدولة

TT

تسعى الولايات المتحدة مع حكومة نتنياهو لإقناع الفلسطينيين بعدم إعلان الدولة في الأمم المتحدة، لقاء وعد بمفاوضات جديدة بين إسرائيل والسلطة. أنا آسف أن يضع باراك أوباما توقيعه إلى جانب توقيع الرجل الذي رفض أي تفاوض مع الفلسطينيين، وفقا لأي اتفاق، أو لأي وساطة. كما أنني آسف أنه عندما جاء أوباما، طلبت أن يعطى عامين قبل أن نبدأ بمهاجمته.. مرت الأعوام مثل غيرها.

لا أدري على من يضحك الاثنان: منذ 1967 ونحن نفاوض. جلسات رباعية وثنائية، وموفدون ومبعوثون، ومؤتمرات ورحلات، واستطلاع واستكشاف، فماذا حصل؟ حصل أن حكومة أرييل شارون طلبت من الأردن تعديل القرار 242 بحيث يضم المستوطنات، وقسمت الضفة بالجدران إضافة إلى المستعمرات، ورمت في القمامة قرارات محكمة العدل الدولية بعدما رمت القرارين 242 و338 واتفاق مدريد واتفاق أوسلو.

عندما يقول أوباما – ودعونا من نتنياهو لغير الضرورة – مفاوضات جديدة بين الفلسطينيين وإسرائيل، ماذا يقصد على وجه الضبط؟ مفاوضات حول ماذا؟ استنادا إلى أي مفاوضات نجحت في الماضي؟ استنادا إلى أي مبادرة أميركية ناجحة؟ استنادا إلى أي قرار دولي؟ استنادا إلى أي نوايا إسرائيلية تم الإعلان عنها، منذ اغتيال إسحاق رابين حتى اليوم؟

من أين ستبدأ المفاوضات؟ لنفترض أنها برعاية أميركية مباشرة، فماذا يجرؤ الأميركيون أن يعرضوا؟ بماذا يجرؤون أن يعدوا؟ وماذا في إمكان الفلسطينيين أن يقبلوا بعد رحلة الذل الطويلة التي بدأت في مدريد، وانتقلت سرا إلى أوسلو، ثم صارت بين أيدي أرييل شارون وبنيامين نتنياهو وهوائيات شيمعون بيريس؟ لقد اتهم العرب الرئيس محمود عباس بأنه رجل أميركا، واتهموه بالتخاذل، وانسحبت منه حماس، وتحمل كل ذلك في صمت، وأدرك أن شخصية أبو عمار لن تتكرر، وزمنه لم يعد ساري المفعول، وعليه أن يتصرف كرجل دولة، حتى لو شقت حماس فلسطين المزروعة بالمستوطنات وخرجت بها. الآن يريد أبو مازن أن يثبت أنه ليس رجل دولة، ولن يكون ذلك سهلا، وسوف تحاربها إسرائيل، وسوف تهدد أميركا وتتوعد وتتبنى الموقف الإسرائيلي، لكن الوقت تأخر كثيرا على هذه الخطوة.. يجب أن تبقى فلسطين حية ولو كاسم، بعيدا عن مشاريع الطمس السخيفة، كإذابة اسمها في اسم إسرائيل. لم يكن محمود عباس من داس القرارات الدولية وسخر منها، ولا سخر من وساطات أميركا وأوروبا، ولا طرد اللجان الرباعية والخماسية والأمم المتحدة، ولا هو من أهمل المبادرة العربية. دعكم من نتنياهو.. ليس مهما ولا جديدا في الأمر، المهم هو أن واشنطن قررت أن تستفيق بعد نحو نصف قرن، بدأ مع ليندون جونسون الذي كان جون كيندي يقول عنه: «لا أستطيع أن أتصور جونسون رئيسا»، لكنه صار. وباستثناء جيمي كارتر الذي أسقطه الإيرانيون، لم يعرف البيت الأبيض رجلا أدرك حقا معاني المأساة الفلسطينية.