كل القمم ضيقة!

TT

العظمة صبر طويل.. ولكن الإنسان يكون عظيما مرة واحدة في السنة على الأقل.. ولكن الرجل العظيم بلا حدود لصبره.. بعد أن خلق الله العالم في ستة أيام، راح يعيد النظر في هذا العالم فخلق عددا من العظماء ليرفعوا ملايين الناس من تحت إلى فوق.. إلى سماواته!

العظمة هي أن تعمل دائما بلا وعي.. فالذين أبدعوا أروع الأعمال والآثار صنعوا ذلك دون أن يعرفوا كيف.. ولماذا؟ إن قوة هائلة أقوى منهم تدفعهم إلى العمل حتى الموت.. وأعظم القوى هي التي تعمل دون أن يراها أحد: جاذبية الأرض.. وجاذبية العظماء!

ليس الصبر الطويل هو الذي يجعل الإنسان عظيما.. ولكنه الإصرار على الصبر!

إن هؤلاء العظماء أجهزة شديدة الحساسية وشديدة الصلابة في نفس الوقت.. يهزهم كل شيء ويحتملونه وفيهم قدرة على العمل.. وعلى تشغيل الذين حولهم.. فهم ينشرون النور والنار حولهم وينسون أن يغمضوا عيونهم عن النور.. وينسون أن يتقوا النار.. فكل ما حولهم يعمل بهم ولهم.. ولكن في اللحظة المناسبة يقف العظيم وحده.. بل إنه يقفل على نفسه الأبواب ليفكر.. ويتخذ القرار فهو وحده الذي يفكر.. وهو وحده الذي يقدر على تحقيق المعجزة.. والدعوة لها وتحمل ويلاتها.. هو وحده الذي يأتي بالشمس في منتصف الليل وهو وحده الذي يأتي بالرغيف من فم الأسد، هو وحده الذي يملأ مدافع أعدائه ماء مثلجا!

والكوارث لا تستأذن عليه.. وإنما تدق الباب وتسحقه وتنتظر حلا سريعا وعليه وحده أن يروض الأهوال وأن يسوي الجبال.. إن العظيم يعيش في وحدة كأنه يحكم الفراغ كأنه بلا أحد.. لأنه قد اختار أن يعيش عاليا.. في القمة.. وكل القمم ضيقة باردة.. ويجب أن يبقى في القمة.. وقلبه ممزق بين الجميع.. ولأنه عظيم فهو أب للملايين.. والملايين لا تسأل أباها من أين يأتي بالمال. وإنما تريد الطعام والعلاج والكتاب والذخيرة والأمان.. إنه فقط عليه أن يأتي باحتياجات الناس.. باحتياجات أطفاله الملايين.. ولذلك، يخفي العظيم عن أطفاله الملايين أوجاعه.. وهمومه العامة.. وهمومه الخاصة.. وهمومه الوطنية وهمومه القومية..

ولكن، لأن العظيم إنسان له جسم.. ولجسمه وظائف فإنه يتعب أكثر.. ولذلك، فالشعوب تأكل كل أعمار زعمائها.. صحيح أنها تطيل عمر الزعيم بعد وفاته.. ولكنها تأكل حياته. إنها هذه المعادلة الصعبة: أعطني عمرك.. وأنا أعطيك المجد بعد ذلك!

والعظماء يقبلون هذه القسمة.. وشجاعتهم ورجولتهم وقدرتهم الفريدة على التضحية، تجعلهم يبادرون فيعطون أعمارهم وراحتهم وصحتهم من أجل الملايين!