الملحمة العربية

TT

أتخيل هذا العربي البائس، في الموصل أو في راس لانوف أو في رأس بيروت، يتأمل صورة ساركوزي وكاميرون في طرابلس، محررين العاصمة والبلاد، ثم يفرك عينيه متسائلا: هل التاريخ قاس إلى هذا الحد؟ هل صار العرب في حاجة إلى حفيدي أشهر دولتين استعماريتين، كي يحرراهم؟ وما هو الأفضل: البقاء في أقبية القذافي ودهاليز عبد الله السنوسي، أم الاستعانة بالأجنبي؟ هل كان ممكننا الخلاص من القذافي من دون اللجوء إلى الحلف الأطلسي، الذي كان اسمه يردد في العالم العربي على أنه رمز من رموز العيب والعار؟ ماذا كان يفضل العراقيون حقا: الكرامة التي أذلتها السجون، أم التي أهانها الاحتلال؟ ومن أوصل المواطن البائس إلى هذا الحائط: إما القهر الأبدي وإما الخروج إلى تحية رئيسي فرنسا وبريطانيا؟ ماذا حدث لـ«بالروح بالدم»؟ أين غابت «طز في أميركا»؟ أين هو «الشارع العربي» الذي يقوم الآن ضد حكامه، وفيما هو في الطريق يعرج على السفارة الإسرائيلية؟ بماذا يفكر هذا الكائن البائس وهو يرى نفسه خارجا يصفق، إما لرجلي أوروبا، أو لوريث الباب العالي في اسطنبول؟ ماذا سيقول في نفسه ولنفسه عندما يرى أن الصراع المهم هو بين طهران وأنقرة، اللتين اعتقد منذ سنين أنه نسيهما، أو، كما يقول الدكتور وليد المعلم، أنهما لم تعودا على الخريطة؟!

من فعل بنا كل هذا؟ من أوصلنا إلى هنا؟ من نقل الأمل العربي في الحرية والكرامة الإنسانية إلى لندن وباريس واسطنبول؟ كيف صرنا نفيق لنعرف ماذا سيقول لنا - عن غدنا - وزير خارجية إيران ووزير خارجية تركيا؟ من قادنا إلى هنا وسلمنا إلى هذا المصير؟ قبل نصف قرن كان الفرنسي رمز الاستعمار في المغرب العربي، والبريطاني رمز الاستعمار في المشرق.. إليكم الحرية والعزة والكرامة التي وعدنا بها الزعماء العرب.. إليكم ماذا حدث للاستقلال الذي ناضل من أجله «البائدون».

يبدو الأمر سرياليا، ونوعا من مسرحية مبعثرة، أو لوحة حديثة مقلوبة.. هكذا يبدو. لكن الأفظع أن هذا هو أيضا: ليبيا تحتفل بذكرى عمر المختار وهي ترحب بساركوزي وتطارد معمر القذافي في الصحراء التي طالما تباهى بأنه جاء منها، وحفظ لها خيمتها وناقتها الحلوب.. وقد جف ضرعها وضرع ليبيا. ولو انصرف إلى الكتابة اليوم لوجد مادة لم تتوافر لتولستوي: 50 ألف قتيل من أجل منصب شبيه بموقع الملكة إليزابيث.