كل شيء يبدأ من: التعب!

TT

بعد الحرب لا يمكن أن تتصور ما يحدث للجندي إلا إذا كنت واحدا من هؤلاء المقاتلين الذين يذهبون إلى خط النار ولا يعرفون إن كانت هذه هي النهاية.. إنهم يحملون السلاح.. أو إنهم أنفسهم هم السلاح الذي يجب أن ينطلق ويصيب العدو..

إن الأفلام لا تعرض لنا مشاهد تمثيلية يتوجع فيها الممثلون ويشترك المخرج مع عدد من الضباط في جعل المناظر أقرب إلى الواقع.. لكن الحرب شيء آخر أو أشياء أخرى: نار ودمار وصراخ ودماء.. ولا تعرف من الذي يطلق النار وراءك أو أمامك.. ولا تدري بنفسك إن أصابك شيء..

إن هذه الظروف المثيرة الملحّة هي التي تؤدي بالجندي إلى أن يرتبك ويضطرب ولا يدري ما الذي يفعله..

إن هناك أشياء كثيرة تهزه وتعصره..

لقد روى لنا الجنرال ونغت، القائد البريطاني الذي كان يحارب في بورما، أن واحدا من جنوده قد استغرق في نوم عميق أثناء إحدى الغارات العنيفة..

لقد نام الجندي في وجه الموت.. نام من شدة التعب أو من شدة الإرهاق أو من شدة الضغط على كل حواسه حتى لم يعد قادرا على الإحساس.. فجاء النوم يدفنه على سطح الأرض هدفا سهلا لأي قذيفة..

وليس هذا الجندي وحده الذي نام!!

إن كل شيء يبدأ من: التعب!

إنه التعب الذي يجعل الجسم مستعدا لقبول كل مرض.. ويجعل الأعصاب منفلتة ويجعل العقل كسيحا أو يتصرف كأنه كسيح أو كأنه بلا جسم.. وقد كان لتشرشل جملة مشهورة: أحيانا لا أجد جسمي.. وأحيانا لا أجد إلا جسمي!

يقول أحد الأطباء: إن هؤلاء الجنود يصبحون مضطربين متخلفين عقليا، ويصبحون عاجزين تماما عن التكيف مع البيئة الجديدة المتغيرة.. أما رغبتهم الأولى فهي الاستسلام.. فلا هم يريدون المعركة ولا هم يريدون الحياة!

وأنا أتحدث عن الجنود لأنهم أكثر الناس مواجهة لظروف قاسية ملتهبة متغيرة، ولأن صورة الجنود وعذابهم هي صورة مكبرة لما يلقاه الإنسان في حياته العادية.. أو لما يلقاه بعض الناس في مراكزهم الممتازة وعلى أكتافهم أعباء توجع الكتف وتوجع القلب والمعدة والصدر وتحرق الدم وتنشف الريق..

وكل واحد منا جندي في موقع.. وله سلاح من نوع خاص يتفق مع معركته.. أو مع الحرب التي يخوضها أو التي فرضت عليه..

وما دامت الحياة قد فرضت علينا.. فالحرب في الحياة ومن أجل الحياة ومن أجل حياة أفضل قد فرضت علينا أيضا!