إخبارية جديدة

TT

تم الإعلان من العاصمة السعودية الرياض عن إطلاق محطة إخبارية فضائية جديدة باسم «العرب» تعود ملكيتها إلى الأمير الوليد بن طلال، وبشراكة ومساهمة من المحطة الإخبارية العالمية المتخصصة بالاقتصاد «بلومبرغ»، وتأتي هذه المحطة لتكون عنصرا جديدا فاعلا في سماء فضائية إخبارية عربية مزدحمة جدا، فهناك أسماء مؤثرة جدا احتلت حضورا مهما في الوجدان العربي المتابع مثل «الجزيرة» و«العربية»، مما شجع دولا على الدخول في هذا المجال، فتم إطلاق «الحرة» الأميركية، و«بي بي سي عربي» البريطانية، و«فرانس 24» الفرنسية، و«دي دبليو ولت» الألمانية، و«روسيا اليوم» الروسية، و«سي سي تي في العربي» الصينية، و«تي في تي» التركية بالعربي هي الأخرى، مع عدم إغفال بعض المجهودات الإخبارية الموجهة إلى أسواق من الداخل مثل «الإخبارية» السعودية، و«النيل للأخبار» المصرية، و«أخبار المستقبل» اللبنانية.

«العرب» لديها برنامج طموح، بحسب المؤتمر الصحافي الذي أعلن عن انطلاقتها، فالمشاركة مع «بلومبرغ» خطوة مهمة مميزة، لما يحسب لهذه المحطة ووكالة الأنباء في آن واحد من مهنية وتحقيقها لرقي مهني محترف في التغطية الخبرية الاقتصادية أجبر محطات عملاقة على أن تقلدها بإطلاق محطات اقتصادية متخصصة، فقامت «NBC» بإطلاق «سي إن بي سي»، وقامت «CNN» بإطلاق «CNNFN»، وقامت «فوكس» بإطلاق «فوكس للأعمال»، وكذلك سيترأس المحطة صحافي مهني متمرس هو جمال خاشقجي، مما يدفع بالتفاؤل لنجاح هذه المحطة، وكذلك يبدو أن هناك خطة تمويل طموحة تغطي احتياج «المحطة المالي لعشر سنوات»، كما تم الإعلان عنه، وهذه نقطة محورية لأن تمويل المحطات الإخبارية مختلف تماما كنموذج أعمال عن تمويل المحطات الفضائية العامة؛ فالفضائية العامة كلما زادت نسبة المشاهدة زاد الإعلان، بينما في الفضائيات الإخبارية كلما زادت نسبة المشاهدة (جراء الحروب والكوارث والطوارئ) قلت نسبة الإعلان، إذ لا يمكن قطع المشهد والتوجه للإعلان أو رسالة من الراعي، مع عدم الإغفال أنه أيضا تزيد في هذه الحالة التكلفة بشكل مذهل وتشمل مصاريف الأقمار الصناعية وتكلفة وتأمين مراسلين في مواقع خطيرة جدا.

و«الجزيرة» التي ابتكرت النموذج العربي الأكثر إغراء حتى صارت، بحسب دراسة لمجلة «فوربس» المشهورة، العلامة التجارية الأشهر في العالم، وباتت تعرف بالمحطة التي أوجدت الدولة The Station that Create The Nation، وأطلقت بعد نجاح نموذجها العربي محطة بالإنجليزية لمنافسة «سي إن إن» و«فوكس» و«سكاي»، وتلاقي قبولا جيدا في العالم الثالث في أفريقيا وشبه القارة الهندية وشرق آسيا تحديدا. وجاءت «العربية» لتكون منافسا جيدا لـ«الجزيرة» وتقدم نموذجا آخر في الخطاب الإعلامي غير المنفعل وغير الموجه، فاعتمدت على «الخبر» وليس على «الرأي». «الجزيرة» خطابها الإعلامي مؤدلج وموجه «وهذا له جمهور»، و«العربية» لها أسلوب آخر، وهذا أيضا له جمهور.

اعتمدت «الجزيرة» في أول انطلاقتها على أسلوب مدرسة الـ«بي بي سي»، و«العربية» ظهرت بمدرسة «سكاي».. الخبر المختصر والمادة المتنوعة مع إبهار في الإخراج والإضاءة وقصر مدة التقرير المصاحب ومتوسط أعمار أصغر للمذيعين والمقدمين. اليوم تحقق المحطات الفضائية العربية المتنوعة مفهوما جديدا لـ«PANARABMEDIA»، أو الإعلام العابر للدول العربية، وهي ظاهرة كانت حصريا في السبعينات والثمانينات الميلادية من القرن الماضي وبقيت في المجلات اللبنانية حصريا مثل «الصياد» و«الحوادث» و«الأسبوع العربي» وما شابهها، وتروج لها مجموعة منتفعة من شركات الدعاية اللبنانية أيضا، وظهرت أيضا معها مجلتان لاحقا هما «المجلة» و«الوسط» للاستفادة من نفس المرحلة ولكن سرعان ما أدركتا عدم جدوى بقاء المجلة الإخبارية وتحولت المجلات الإخبارية العربية إلى ديناصور لا يصدر إلا لأجل حفنة من الدولارات مجاملة من بعض الحكومات العربية. وتحريريا لم يبق من الصحافة الورقية الجادة ليغطي عموم الشأن العربي إلا صحيفتا «الشرق الأوسط» و«الحياة»، وبالتالي فلن تكون المهمة «سهلة» أمام المشروع الفضائي الجديد «العرب»، التي اختارت اسمها تيمنا بأحداث الربيع العربي التي بسببها أصبح المشاهد العربي أكثر حنكة وخبرة وممارسة وقادرا على أن يميز ما هو سخيف وأحمق، مثل التلفزيون السوري الإخباري والليبي قبله، والجاد، مع عدم إغفال أن بعض الإخباريات لها توجهات مؤدلجة وغايات تريد تحقيقها، ولكن اليوم تحولت الفضائيات من عالم الأثير إلى عوالم التأثير، وهذا هو الخبر الأهم.

«سي إن إن» كانت نجم حرب تحرير الكويت، و«الجزيرة» و«أبوظبي» كانتا النجمتين المتألقتين في حرب غزو العراق، والآن الربيع العربي يشهد تألق «الجزيرة» و«العربية»، وهذا ما يحمس آخرين على الدخول في هذا المجال. «العرب» محطة جديدة مهمة (ستدخل ضدها قريبا «سكاي» العربية و«فوكس» العربية و«سي إن إن» العربية)، ويبقى السوق والمشاهد هما الحكم.

[email protected]