المحبون يرون شيئا آخر!

TT

عندما عدت إلى البيت أدرت في رأسي كل الحوارات التي كانت بيننا.. ماذا قالت أمس وأول من أمس.. وما قالته قبل ذلك بشهور.. إنه نفس الكلام.. أنا أقول وهي ترد.. وأعرف مقدما ما سوف تقوله.. لا هي زهقت ولا أنا مللت.. ولكننا لا نتقدم.. فما الذي أريده منها بالضبط؟ لا أعرف.. وقد سألت كثيرين عن معنى هذا الذي بيننا ولكن الذي يراه المحبون شيء مختلف عن الذي يراه الآخرون.. حتى أقرب الناس إلينا.

مثلا، أول من أمس، اخترنا مكانا بعيدا من المطعم العائم في نهر الراين.. المطعم ألماني نظيف أنيق.. والناس كثيرون، ولكننا لا نسمع لهم صوتا.. مع أنهم يتكلمون.. بل بعضهم يتشاجرون؛ فعلى المنضدة التي وراءنا سمعت السيدة تقول: إذن لم يبق لدينا من كل الحلول إلا الطلاق.. طلقني طلقني!!

قالتها بمنتهى الهدوء.. كأنها قالت له: ولع لي السيجارة.. أو المنديل وقع هاته من فضلك.. وكان رده عليها: وهذا رأيي أيضا منذ وقت طويل.. ولكنني انتظرت رأيك.

قالت له: أشكرك.. إنني أعرف. ويقول لها: أنت تعرفين أنني أحترم رغباتك دائما.. وترد هي: هذا صحيح!

بمنتهى الهدوء كان هذا الحوار، مع أن النتيجة فظيعة، ولكنهما عاقلان أو واقعيان.. وبعد الغداء قبلة منه على خدها.. وقبلة أخرى على يديها.. وينتهي كل شيء.. وتخيلت ماذا يحدث لو كان الجالسان.... كيف تكون المناقشة وكيف يرمي عليها يمين الطلاق وكيف أن الناس جميعا سوف يسمعون اليمين الذي يرمى كيف يرن في آذان الجميع!

وعلى يساري جلست أختان أو صديقتان تشربان وقد انتشت واحدة منهما.. وأشرت إلى ماتيلدا.. اسم حبيبتي.. وقلت لها: حاولي أن تسمعي ما تقول هاتان الصديقتان أو الأختان.

فسألتني ماتيلدا: هل تسمعهما بهذا الوضوح؟ قلت لها: إذا كنت أسمع دقات قلبك والحوار في عقلك.. فكيف لا أسمع ما تقوله فتاتان في حالة نشوة.

فقلت لها: دعينا من الذي يدور حولنا.. حدثيني عن الذي يدور في داخلك أنت. قالت: إنه يدور حولك؛ مرة كعقد من الياسمين حول عنقي وعنقك ومرة كحبل غليظ.. كل شيء يدور حولنا.. أنت الشمس وأنا بقية الكواكب! بل أنت الشمس.. وأنا الأرض وبقية الكواكب شهود على حبنا، ولكننا ندور في فلك واحد هو: أنت! وشعرنا بشيء من السعادة.. ثم تولانا الصمت كأنه غطاء رقيق، وكأننا لا نجلس على مقعدين وإنما على سحابتين فوق.. فوق في السماء!