لماذا تحولت الدولة الفلسطينية إلى اختبار للأمم المتحدة؟

TT

في الوقت الذي يسعى فيه الفلسطينيون إلى الحصول على دعم الأمم المتحدة لدولة خاصة بهم، تقدمت واشنطن بحجتين لإثنائهم عن ذلك، الأولى أن نقل قضية الدولة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة خطوة أحادية بعيدا عن المفاوضات مع إسرائيل، والثانية أن هذا المسعى سيكون ذا أثر عكسي لأن الولايات المتحدة ستستخدم حق الفيتو في الاعتراض على أي قرار بهذا الشأن عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

هذه الحجج تفتقد إلى الصواب، فالأمم المتحدة ربما تكون في واقع الأمر المكان الأمثل لإعادة تنشيط الدبلوماسية المتوقفة، وينبغي ألا يكون السؤال عما سيحدث عندما تستخدم الولايات المتحدة حق الفيتو ضد قرار الأمم المتحدة، بل ينبغي أن يكون التساؤل ماذا سيحدث إن لم تفعل؟

يعيش الفلسطينيون الإسرائيليون صراعا منذ عقود، وإسرائيل تسيطر على الضفة الغربية وقطاع غزة منذ 44 عاما. والأغلبية الساحقة من الفلسطينيين في هذه المناطق ولدوا تحت الاحتلال. ورغم اعتراف الأمم المتحدة بإسرائيل منذ قيامها، فإن عليها أن تحصل على الاعتراف من قبل غالبية الدول العربية، نتيجة حالة انعدام الأمن التي تحسها، وعقود المفاوضات المباشرة وغير المباشرة التي لم تسفر عن تحقيق سلام.

ولا يمكن تجاهل حقيقة أن المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي المحتلة صوتوا في الانتخابات الإسرائيلية ومُنع الفلسطينيون من ذلك. وفي غياب موقف دولي قوي ستستمع الحكومة الإسرائيلية إلى أصوات المستوطنين قبل سماع الفلسطينيين. ومن ثم سيتواصل الاحتلال وستصبح الدولة الفلسطينية أقل احتمالية في التطبيق.

حتى الرأي القائل بأن الإسرائيليين يسعون للتوصل إلى تسوية كان مجرد إلهاء يعتمد على المخاوف من أنه من دون دولة فلسطينية سيقوض العرب الأغلبية اليهودية لإسرائيل أو ديمقراطيتها. لكن التزام إسرائيل الأساسي بالانسحاب من الأراضي المحتلة يتشابه إلى حد كبير مع التزام العرب بقبول إسرائيل ـ ولدى سؤالهم في استطلاع الرأي الذي أجري في عام 2007 أشار غالبية الإسرائيليين إلى أن على حكومتهم أن تكون أكثر رغبة في اتخاذ قرارات داخل الأمم المتحدة حتى عندما يتعلق ذلك بسياسة لا تمثل الخيار الأول بالنسبة لإسرائيل. وبالنسبة للفلسطينيين، فمن دون اللجوء إلى الأمم المتحدة والقوانين والأعراف الدولية ما الذي يمكن أن يقنعهم للعدول عن استخدام وسائل عسكرية أو استفزازية للتخلص من الاحتلال؟

إن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يقدم خطة عمل مدعومة من القوى العالمية الكبرى لتحريك الدول والمناطق من الحرب إلى السلام. وبفضل الجهود الدؤوبة انخفضت وفيات العالم من الحروب خلال العقد الماضي إلى ثلث الذي كانت عليه خلال الحرب الباردة. وكانت فرص دوام أي وقف دائم لإطلاق النار 50% فقط خلال التسعينات، لكنها زادت إلى 88%. تصرفات الأمم المتحدة ليست ضمانة للسلام، لكنها بشكل عام أفضل بكثير مما قد يعتقد الجميع.

ونظرا لمعارضة الكونغرس لأي تحرك ممكن من قبل الأمم المتحدة، تبدو إدارة أوباما شبه متأكدة من استخدامها للفيتو في مجلس الأمن ـ خطوة أحادية نهائية في حد ذاتها وقد عارضها أوباما خلال ترشحه للرئاسة، لكن ذلك لا يمثل أكثر من عرض لسياساتنا العوجاء أكثر منها سياسة ذات مغزى. وماذا لو استبقت الولايات المتحدة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرار من مجلس الأمن يؤيد حل الدولتين؟ سيكون له تداعيات قياسية وقانونية، توفر قيودا على كلا الجانبين وتدفعهما نحو طاولة المفاوضات، ففي العالم العربي تعبر الصحوة الشعبية عن الغضب المتزايد تجاه إسرائيل، والتركيز الجديد على شرعية الأمم المتحدة لن يكون أمرا سيئا بالنسبة لإسرائيل والفلسطينيين.

يؤكد قرار الأمم المتحدة رقم 1397 الذي تمت الموافقة عليه عام 2002 على «رؤية لمنطقة تعيش فيها دولتان، إسرائيل وفلسطين، جنبا إلى جنب داخل حدود معترف بها وآمنة». وقد قالت إدارة أوباما إن حل الدولتين يجب أن يقوم على حدود عام 1967 عبر تبادل الأراضي، لكن إدارته لن تتمكن من التحرك قدما بقرارها الذي توصلت إليه في مجلس الأمن أو الامتناع عن قرار صاغه حلفاؤها الأوروبيون.

ما الذي يمكن أن يتضمنه قرار كهذا، قرار الدولتين المبني على حدود 1967 بمبادلات ثنائية متفق عليها؟ ستكون هناك دولة إسرائيل كدولة للشعب اليهودي وفلسطين كدولة للشعب الفلسطيني وكل مواطنيها. وستكون القدس الغربية عاصمة لإسرائيل والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. وسيتم التفاوض على الترتيبات الأمنية المشتركة وسيكون من بينها نشر جنود حفظ سلام دوليين. وستحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بصورة تحترم حقوق اللاجئين المشروعة وتأخذ في اعتبارها القرارات السابقة للأمم المتحدة ومبدأ الدولتين الذي ذكر آنفا.

ورغم ضرورة تفاوض الولايات المتحدة على قرار كهذا، سيكون لذلك أصداء أقوى من محاولة إثناء الفلسطينيين عن عرض قضيتهم أمام الأمم المتحدة ـ وهي الخطوة التي ستقابل بالإدانة من دول المنطقة بغض النظر عن نتائجها. متابعو هذه القضية أكثر من مجرد الفلسطينيين والإسرائيليين، فقد أشارت استطلاعات الرأي إلى أن غضب الرأي العام العربي تجاه سياسة أوباما كان يتركز بشكل سياسته تجاه النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. وفي الوقت الذي تدخل فيه مصر موسمها الانتخابي وتأكيد العرب في كل مكان على آرائهم تقف الكثير من الأمور على المحك بالنسبة للولايات المتحدة.

تواجه واشنطن خيارا يمكن أن يمنع مجلس الأمن من التحرك، أو أن يحتل الصدارة مستخدما أفضل أداة في العالم اليوم.

* شبلي تلحمي أستاذ السياسة والحكومة في جامعة ماريلاند وزميل بارز لمعهد بروكينغز. ومؤلف مشارك لكتاب «أحجية السلام: الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط منذ 1989»، والذي سيصدر قريبا. جوشوا غولدشتاين أستاذ بارز للعلاقات الدولية في الجامعة الأميركية ومؤلف كتاب «فوز الحرب على الحرب: تراجع النزاع المسلح في العالم».

* خدمة «واشنطن بوست»