مقاييس الجمال

TT

أخذ يوجه لي نظراته بطريقة استفزازية، ويتأمل في وجهي ويتفرس بملامحي، إلى درجة أنني ارتبكت وأخذت أمسح بيدي على وجهي معتقدا أن شيئا ما قد يكون عالقا عليه.. أنا (يا غافل لك الله) لا أدري، وعندما زاد في حركاته الغريبة تلك ما كان مني إلا أن أسأله بشيء من الغلظة إن كان قد شاهد في شكلي أمرا يسيئه!

قال لي: أبدا، أبدا، ولكن ممكن لو سمحت أن تمد لي يدك وذراعك على الأخرى لكي أتيقن من طولهما.

لزمت الصمت ولم أرد عليه ولم أمد له يدي.

فسألني: كم تعتقد الطول عندك من الورك إلى الركبة، ومن الركبة إلى القدم؟! وما هو عرض صدرك؟!

فسألته متهكما: ليه أنت خياط تريد أن تفصل لي ثوبا؟!

قال: إنني بطبيعتي مغرم بتأمل ملامح الناس، على أمل أن أجد الملامح المثالية!

قلت له: وما مستوى ملامحي من وجهة نظرك؟!

قال: يعني، مش ولا بد.

قلت له: كثر الله خيرك، هذا هو الذي خرجت به من تفرسك بملامحي؟!

قال: لا تزعل من صراحتي، ولكن هل تعلم أن الرقم المثالي للتفوق التصميمي بالرياضيات هو (1618)، وأن كل جسم الإنسان منسق في الترابط بهذا الرقم العجيب؟! كذلك الطبيعة، وهو الذي يوحي لكل المهندسين ليصمموا أجمل المباني، وهو سر يحتفظ به المبدعون.

وأنا حينما أخذت أتأمل في وجهك كان لدي بصيص من الأمل أن أجد فيه ما يدعم نظريتي هذه، ولكن للأسف خاب أملي!

سألته: معنى هذا أن أملك خاب بنظريتك؟

قال: لا يا سيدي، أملي خاب بملامحك أنت.

ولم ينتظر ردة فعلي على إهانته الواضحة لي، لأنه أردف قائلا: اسمع، إن طول الوجه من أعلى إلى أسفل من المفروض أن يكون مساويا لطول الوجه من الجنب إلى الجنب، ولم أجد هذا ينطبق عليك إطلاقا.

طول العظمة من المرفق إلى آخر الأصبع / طول العظمة من المرفق إلى الإبط.

طول العظمة لليد كاملة / طول العظمة من الإبط إلى مفصل المرفق. طول موق العين إلى موق العين الأخرى / طول الفم من اليمين إلى اليسار.

ولكي لا أطيل عليك أقول لك باختصار: إن طول الأرض من القطب إلى القطب هو طول الأرض من الجنب إلى الجنب، هل فهمت؟!

أجبته: إنني لم أفهم، ولكنني فقط أذكرك أنني مختص بعلم الجمال بجميع أنواعه، ولو أن أنف (كيلوباترا) زاد (نصف سنتيمتر) واحد لتغير التاريخ، وأن مارلين مونرو مع بريجيت باردو في عزهما، لو عجنتهما في بعضهما البعض لأخرجت لك منهما تشكيلة تناقض نظريتك الهندسية هذه.

الجمال الحقيقي أيها السيد لا يخضع بالدرجة الأولى للمقاييس، ولكنه يخضع لما يسمى بـ(المغناطيسية) التي تصهر القلوب، وهناك من يسميها الجاذبية، أو الإغراء، أو (الملح والقبلة)، أو (...).

[email protected]