العقد الأول

TT

شاءت «القاعدة» أن يكون العقد الأول من القرن عقدها. دمرت برجي نيويورك وأربع طائرات، وقتلت نحو 4 آلاف شخص، وأرعبت أميركا وقززت العالم. ألحقت بأميركا خسائر معنوية ومادية لا تحصى، وفتحت باب الخراب على أفغانستان وباكستان والعراق. مقابل 4 آلاف أميركي خسر العراق وباكستان وأفغانستان ما يزيد على 150 ألف شخص في أكثر التقديرات تحفظا.

صدرت في بريطانيا مؤخرا سيرة جديدة بقلم مايكل كوردا، للرجل الذي سمي «لورنس العرب»، وبطل «الثورة العربية» الذي كان أول من علمنا نسف القطارات والسكك الحديدية. لم نبرع في شيء سوى الأحزمة الناسفة.. وهكذا انتهينا بين ديكتاتوريتين: ديكتاتورية الفظاظة الفاشية المطلقة، وديكتاتورية الأحزمة الناسفة.

دمر أسامة بن لادن برجي التجارة، وأعطى أسوأ زمرة حاكمة في تاريخ أميركا الإذن المفتوح والمبرر الغبي في تدمير الهيكل العربي. لم تعرف واشنطن في وقت واحد، في إدارة واحدة، فريقا فيه مجموعة مثل جورج بوش وديك تشيني وبول وولفويتز ودونالد رامسفيلد. وجه إليهم أسامة بن لادن دعوة مفتوحة لكسر ظهر الأمة. كان ضرب العراق حلم إسرائيل منذ زمن، وقد تعاون صدام حسين في عجرفته وأسامة بن لادن في كهفه وطقاطيقه المسجلة، في تحقيق حلمها.

خسر الغرب كثيرا.. لكن ليس أكثر مما كلفه سكارى اليونان وكسالى البرتغال ونصابو إيطاليا. حولت «القاعدة» المسلمين في الغرب من مواطنين إلى مطاردين ومشتبهين. والتفوق العلمي الوحيد الذي أظهرته تمثل في زرع المتفجرات في الأحذية وفي السراويل الداخلية، وفي الإعداد لتفجير عشر طائرات مرة واحدة فوق الأطلسي.

رد النظام الديمقراطي الأميركي المتهالك بانتخاب رئيس من أب أفريقي مسلم. ورد شوفيني أوروبي بقتل77 نرويجيا نكاية في المسلمين: تقتلون أهلكم ونقتل أهلنا.. غاب هناك و غاب هنا. بعدها بقليل فجرت «القاعدة» في بغداد 41 موقعا في يوم واحد. أعادت ديكتاتورية الحزام الناسف الاستعمار الغربي، وأعادت ديكتاتورية الديكتاتور المقاتلات الإيطالية إلى سماء ليبيا، والبوارج الإيطالية إلى موانئها. كم هو عاثر حظ هذه الأمة، وكم هي قليلة خياراتها. واحد يريد إحياءها بنسف الأبراج، وواحد يريد أن يحل مشكلتها ومشكلة العالم أجمع في وقت واحد، طالبا من أرسطو الصمت أو الاختباء، إلى الأبد. لقد ظهر فيلسوف سرت.

انصرف كلاهما في النهاية إلى الأشرطة المسجلة في المخابئ.. واحد يعيش في كهف محاطا بآخر أنواع التكنولوجيا التي يخترعها نجل مهاجر حمصي في نيويورك. تصور لو كان ستيف جوبز ولد في حمص.. لكان اليوم موضع نكتة عن السذاجة، أو كان يُرفس بتهمة طلب الحرية.