الشرق الأوسط الجديد

TT

في الثاني من سبتمبر (أيلول)، قرأت رسالة الأسبوع في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية. ثم نشرت هذه الرسالة مرة أخرى في صحيفة «غوش شالوم». ونصت الرسالة على الآتي:

تركيا تحولت إلى عدو، وتبخر السلام مع مصر.

حصار غزة يعمل على تقوية حركة حماس.

رفض الاعتراف بدولة فلسطين يعمل على عزلة إسرائيل.

هذه رسالة قوية للغاية، وتفسير واضح للشرق الأوسط الجديد. وعلى العكس من ذلك، فقد فسر ديك تشيني، في مقابلة أخيرة له، آراءه التي تتعلق بضرورة الهجوم الإسرائيلي على إيران. ومكثت أفكر كيف يمكننا أن نعمل على حل هذا التناقض؟ فقد كان هذا شيئا شديد الغرابة، حيث كانت الكلمات والأدب العسكري الذي استخدمهما ديك تشيني هما نفس تفسير نتنياهو. رغم وجود اختلاف جوهري بين الاثنين، وهو أن نتنياهو تحدث عن الهجوم على إيران خلال خوضه المنافسة الانتخابية على مقعد رئيس الوزراء القادم، وكان يعتقد أن المستقبل أمامه، لذا قال بقوة: «أعدكم أنه إذا ما تم انتخابي، فلن تحصل إيران على أسلحة نووية»، ويشتمل هذا الوعد على كل ما هو ضروري لتحقيقه.

وفي خطابات أخرى، وصف نتنياهو برنامج إيران النووي بأنه «تهديد وجودي لإسرائيل»، وحذر من خطر تعرض إسرائيل لمحرقة نازية أخرى. لكن هل انتخابه مرة أخرى ليكون رئيسا للوزراء يعني بالضرورة اقتراب إسرائيل من الدخول في حرب مع إيران؟

والآن وبعد ما يربو عن العامين، كرر تشيني موقف نتنياهو ضد إيران، وصرح لمحطة «نيوز ماكس» التلفزيونية بأن «إيران تشكل تهديدا وجوديا، وأن الإسرائيليين سوف يقومون بما في وسعهم لضمان بقائهم وأمنهم».

وعلاوة على تشيني، أجرى بانيتا، وزير الدفاع الأميركي الجديد، لقاء شهيرا مع تشارلي روز، وكان يستخدم نفس النغمة التي استخدمها تشيني. وهنا يظهر سؤال حيوي وهو: هل سنواجه حربا جديدة في الشرق الأوسط؟

يبدو لي أن رئيس الوزراء البريطاني قال: إن ما من أحد يدعم الهجوم العسكري على إيران. وهذا يوضح أننا نواجه صورة ضبابية. وكما جاء في القرآن الكريم: «كل يعمل على شاكلته».

أود أن أقول: إن اتخاذ مثل هذه المواقف المتطرفة ضد إيران هو هدية ضخمة للحكومة الإيرانية الحالية. وهذا شيء واضح للغاية، فعدد كبير من الإيرانيين، ربما يفوق نسبة الـ90%، لن يقوموا بدعم أي تدخل أجنبي، لذا، وبوضع هذا الرأي في الاعتبار، نجد أنه من الضروري التركيز على ثلاثة موضوعات:

أولا: أن الإيرانيين لديهم ذكرى لا تنسى، وهي سقوط حكومة مصدق من قبل وكالة المخابرات المركزية ووكالة الاستخبارات البريطانية. وكل شخص إيراني، بغض النظر عن موقفه أو اتجاهه، يدين هذا التدخل في شؤون إيران، فقد كان مصدق رمز الحرية والديمقراطية في إيران، ولو لم تكن أميركا وبريطانيا قد أطاحتا بمصدق، لكان هناك وضع مختلف تماما الآن. إنني أؤمن بأن السبب الرئيسي وراء حدوث الثورة الإسلامية هو الإطاحة بمصدق، ولم يفسر أحد سقوط حكومة مصدق أفضل من السير أنطوني إيدن، رئيس الوزراء البريطاني السابق.

حيث جاء في «مذكرات السير أنطوني إيدن، الدورة الكاملة، ص 214»: «لقد جاءتني أنباء سقوط حكومته أثناء قضائي فترة نقاهة، حيث كنت أنا وزوجتي وابني نقوم برحلة بحرية في البحر المتوسط بين جزر اليونان. وقد نمت قرير العين هذه الليلة». وقد قال سينيكا، الفيلسوف والكاتب المسرحي الروماني: إن الحكمة نبع السعادة. لكن كيف لنا أن نجد ولو جزءا صغيرا من الحكمة في عقل إيدن؟ باختصار شديد فإن الإيرانيين يعتمدون على خبراتهم ويكرهون أي تدخل أجنبي في شؤونهم.

ثانيا: هو أننا نشهد حاليا نموذجين مرعبين من التدخل الأجنبي في منطقتنا، في كل من أفغانستان والعراق، فكل من الدولتين المذكورتين محتلة من قبل جيوش أجنبية بحجة الوصول إلى الحرية والديمقراطية لكل الشعبين العراقي والأفغاني. لكنهم لم يحققوا أي شيء سوى الكوارث والمصائب.

وكما ذكر خاتمي، الرئيس الإيراني السابق، مرارا أن هناك جدارا من عدم الثقة بين إيران والغرب، وبصورة خاصة بين إيران وأميركا.

فعندما يتحدث أي واضع سياسات أميركي أو صانع قرارات أوروبي عن تغيير النظام في إيران، فهذا يذكر العقل الإيراني بحادثتين شهيرتين. الأولى، هي سقوط حكومة مصدق ونوم إيدن قرير العين بعد ذلك، والثانية هي التدخل في شؤون العراق وأفغانستان.

علاوة على ذلك، كانت هناك أحاديث على مدار أكثر من ثلاثين عاما تشير إلى ضرورة تغيير النظام الإيراني. ومن الواضح أنه عندما تتكرر هذه المقولة منذ أكثر من ثلاثة عقود، فإن هذا يعني أن هذا الاتجاه لا جدوى منه. وعلى النقيض من ذلك، تجد الحكومة الإيرانية نفسها في الوقت الحالي، خاصة بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009، وتشكيل الحركة الخضراء في إيران، في حاجة ماسة إلى الاستشهاد بكلمات تشيني ونتنياهو وتوني بلير وبانيتا الآن قبل أي وقت آخر، وذلك حتى يوضح أن أي شخص ينتقد الحكومة هو ضمن الحملة الأجنبية على إيران، كما أعتقد أن بعض السياسيين مثل تشيني وبلير قد فشلوا في حياتهم السياسية، فالعراق وأفغانستان ليسا دليلا على النصر.

وأخيرا، فإن آخر نقطة أريد أن أركز عليها هنا هي أننا نواجه خطابا جديدا في المنطقة، أو حتى في العالم، يتمثل في الحديث عن الديمقراطية، فقد حاولت أميركا وحلفاؤها تغيير هذا الخطاب في منطقتنا معتمدة على ركيزتين. الأولى، أنهم يعتمدون على أحداث 11/9 كسبب رئيسي لتبرير الحرب على أفغانستان. وكما نعلم، فحتى الآن ليس هناك صورة واضحة عن جذور 11/9. والثانية، هي أنهم احتلوا العراق وأطاحوا بنظام صدام حسين. ويعلم الجميع الآن أن السبب الرئيسي الذي استخدموه لتبرير الحرب على العراق كان ادعاء منافيا للصحة تماما، فلم يكن لدى صدام أي أسلحة دمار شامل، وعلاوة على ذلك، لم يكن هناك أي رابط بين نظام صدام وتنظيم القاعدة؛ بل على العكس من ذلك، فبعد سقوط صدام، أصبحت العراق مكانا مناسبا لتنظيم القاعدة.

كما غير الربيع العربي من خطاب الحرب إلى خطاب الديمقراطية، والآن أود أن أعود إلى الرسالة التي نشرتها (هآرتس). فنحن نواجه عهدا جديدا وشرق أوسط جديدا، ويمكننا أن نرى أن الاهتمام العالمي ينجذب إلى كل حادثة بسيطة. فحاليا، وكما قال أوباما، تفضل أميركا أن تحصل على معلوماتها من قنوات غير أميركية وغير أوروبية، وهذا يعني أننا نتنفس في عالم جديد، وقد أصبح تغيير النظام حقا لكل دولة، تماما مثل تونس ومصر وليبيا يمكن للدول أن تغير أنظمتها. لكن إذا تدخلت جيوش أجنبية، فسيكون هذا بداية البؤس. وأعتقد أن أميركا وحلفاءها – خاصة إسرائيل – يجب أن تدعم حق الفلسطينيين في إنشاء دولتهم؟! فقد انتهى حديث الغش والخداع، وإذا ما أرادوا أن ينشروا أي رسالة أخرى في الصفحة الأولى من (هآرتس)، فعليهم حينئذ أن يغيروا عقولهم.