السعودية.. هل يفعلها الوزير؟

TT

مفاجأة غير سارة للسعوديين، بل كانت صاعقة عليهم؛ فبعد 6 سنوات على برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، المسؤول عن ابتعاث 120 ألف طالب وطالبة للدراسة في الخارج، وبعد أن كان يمكن اعتبار «الحديث عن خطر الابتعاث» رأيا شخصيا لبعض التيارات، تغلغل هذا الفكر ليصل إلى جهاز رسمي داخل الدولة، وأي جهاز؟ إنه وزارة التربية والتعليم، أقرب الوزارات، فعليا، لوزارة التعليم العالي؛ فالأخيرة تبتعث الطلاب، والأولى تحذرهم منه!

فمن يصدق أن مناهج التعليم العام، وبدلا من تجهيزها الطالب للمرحلة الجامعية، تجتهد لتحذرهم من «خطر الابتعاث»، كما جاء في أحد دروس مادة الحديث لطلاب الثانوية العامة؟ حيث يؤكد التحذير أن كثيرا من المبتعثين «رجعوا مشبعين بروح الغرب يتنفسون برئته ويفكرون بعقله ويرددون في بلادهم صدى أساتذتهم المستشرقين»، ويمضي «درس الحديث» ليصل إلى نتيجة لا ثاني لها بأن المبتعثين «صاروا وبالا على مجتمعاتهم» («الحياة» - 14 / 9).

لا أتوقع هنا، ولا أنتظر طبعا، أن يكون وزير التربية والتعليم السعودي، الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد، هو من يراجع هذه المناهج، لكنني أعلم أن هناك جهازا مترامي الأطراف داخل الوزارة يدعى «وكالة التخطيط والتطوير»، هو المسؤول عن إعداد الخطط الدراسية والمناهج لجميع مراحل التعليم العام وفئاته وتطويرها «بما يتفق ونظام التعليم في السعودية والاتجاهات التربوية الحديثة المناسبة في التربية والتعليم». ولا أتوقع أيضا أن الوزير أو أيا من كبار مسؤوليه يتفقون مع رؤية «خطر الابتعاث» التي تبنتها، رسميا، وزارتهم. وسأستمر في توقعاتي للقول إن كبار مسؤولي وزارتنا التربوية غاضبون أشد الغضب من توجه وكالة التخطيط والتطوير، باعتبارها إحدى أهم أذرع الوزارة، وطريقا لتطوير التعليم الذي هو هدف للدولة بأكملها.

لذا، فإنني أتوقع، وهذه المرة الأخيرة التي أفعل، أن يخرج لنا أحد كبار، أو حتى صغار، مسؤولي الوزارة، عاجلا غير آجل، ليقول: إن ما جرى لا يمثل الوزارة بأي حال من الأحوال، وإننا، كوزارة للتربية والتعليم، لا يمكن أن نعمل ضد توجهات الدولة. وعليه، قررنا حذف الدروس التي تحذر من خطر الابتعاث من منهج الحديث، والتحقيق العاجل لمعرفة حقيقة ما جرى، وكذلك معرفة أكبر مسؤول فسح هذا المنهج ووافق على تدريسه للطلاب. وسيتم الإعلان عن نتائج التحقيق بعد أسبوع من الآن. عندها أكاد أجزم أن وزير التربية والتعليم سيحول الغضب الذي يعتري المجتمع من «أفعال» بعض مسؤوليه، إلى الارتياح لرؤية مثال نموذجي لكيفية تمكن الوزير، أي وزير، من معالجة الأخطاء، مهما كبرت.. رجاء افعلها معالي الوزير.

بقي أن نشير إلى أن أفضل الردود، وأظرفها، على «خطر الابتعاث»، أتى من طلاب المرحلة الثانوية أنفسهم، عبر منتدياتهم ومواقع التواصل الاجتماعي؛ فقد سخروا من هذا التحذير، للدرجة التي دعوا إلى تجاوب المجتمع معه، محرضين الآباء على منع أبنائهم من الابتعاث. أما سبب هذا التحذير الساخر، فذلك مرده أن عشرات الآلاف من الطلاب السعوديين يتقدمون للبرنامج سنويا، ولا يُقبل منهم إلا المحظوظون؛ لذا فإن هؤلاء الساخرين يروجون لتحذيرهم سعيا لأن تكون فرصتهم أكبر للوصول في المرات المقبلة.

لطلابنا الساخرين، يؤسفني أن أقول لهم: المجتمع تجاوز سطحية تفكير هؤلاء منذ زمن، وإن أقرب المقربين لمن يحرضون ضد الابتعاث هم أكثر من يبحثون عن الالتحاق به؛ لذا فإن قافلة الابتعاث تسير وفق ما خطط لها، والإقبال عليها في تزايد، من الجنسين، ومشاغبات البعض ليس لها نصيب في العودة بالمجتمع إلى الوراء.. حتى لو كانت تجري داخل أروقة الدولة!

[email protected]