تغير أنظمة لا خرائط

TT

أتخيل تماما الحال التي أنت فيها: جارك يسألك، «أليس هذا هو الشرق الأوسط الجديد» الذي تحدث عنه كولن باول باسم أميركا؟ وجار جارك يقول لك، بلهجة حاسمة: «أرجوك. لا تجادلني. إنهم ينفذون الخريطة الجديدة». وصديقك في المقهى يضع الصحيفة على الطاولة ويقول في ثقة مطلقة: «لقد انتهى الأمر. هذا زمن الخرائط».

المؤسف، أننا قوم لا نفكر، لا كثيرا ولا قليلا. لا طويلا ولا قصيرا. وقد تعودنا، منذ أيام «الإنجليز»، أن نقول في حكمة عظيمة: لعبة إنجليزية! لكن فلنتأمل قليلا في هذا «الشرق الأوسط الجديد». أربعون عاما من الأخ معمر. وثلاثة وثلاثون عاما من الفريق علي عبد الله صالح. وثلاثون عاما من الرئيس حسني مبارك. ونصف قرن من البعث في سوريا. ونصف آخر في العراق.

إن الذي يتغير في الشرق الأوسط ليس الخريطة. مصر لم تفقد شبرا واحدا. والعراق لا يزال يريد منع الكويت من بناء مينائها لأن في ذلك اعتداء عليه. وسوريا لم تنقص ولم تزد منذ 1967. وليبيا لا تزال يحدها نصف أفريقيا البيضاء والسمراء. فأين هو الشرق الأوسط الجديد؟ أرجو ألا تعطني جنوب السودان كمثال. لا تكبر المسائل ولا تعقدها كثيرا. هذا هو الشرق الأوسط كما هو. كل ثلاثة عقود يتذكر أنه نام وطلب من الساعة أن توقظه. أو كل أربعة أو كل خمسة.

لا تنس أن بعض المناطق في ليبيا لم تبلغ بعد أن الأخ معمر يقاتل «الثورة»، وأنها تعتقد أن «الثوار» هم الأخ معمر، المعروف أيضا بالعقيد وقائد ثورة الفاتح وأمين القومية العربية وملك ملوك أفريقيا. الذين يحرصون على إعطاء الأمر أهمية أكبر، يقولون لك هذا زمن الخرائط. ويتذكرون كلام كولن باول. والجنرال باول يغسل سيارته الـ«فولفو» بنفسه. نظافة ورياضة معا.

لا تحملوا الأمور أكثر مما تستطيع. التغيير الوحيد على الخريطة إعلان دولة فلسطين بعد 63 عاما من إعلان دولة إسرائيل. ومن منع الفلسطينيين من ذلك وأخافهم من التبعات ونصحهم بالبقاء أهل مخيمات؟ العرب يا مولاي. العرب يا مولاي. ومفكروهم وثوارهم. ويحسن بك أن تسأل: كيف يعيش مئات ألوف الفلسطينيين في مخيمات بلاد العرب؟ وأي شعب في الأرض يمكن أن يقبل ذلك؟

ما هي الحكمة؟ لا أدري. أعرف أن هناك حكمة لكنني لا أعرف ما هي ولا أطيق أن أعرف. ما أعرفه يكفي. وهو أن بين ظلم الإسرائيليين والغرب وظلم العرب، تركنا إحدى أفظع مآسي التاريخ تكبر ونحن نتفرج. محمود عباس يخترق خريطة الشرق الأوسط الجديد ومعه علم يرتفع للمرة الأولى فوقها. قبل أن تصير كل الأرض في ظل العلم الإسرائيلي.