ألفاظ لها طعم الجاتوه!

TT

لقد ابتدع الإنسان من ألوف السنين عادة السلام باليد.. وكان غرضه أن يعرف إن كان عدوه يحمل سلاحا.. ولذلك كان لا بد أن يحرص على أن يمد يده التي أخفاها عدوه وراء ظهره.. فإذا امتدت اليد جاء ذلك دليلا على أنه لا سلاح وراء ظهره.. طبعا هذه أيام كان الإنسان لا يستطيع أن يخفي القوس والسهم والرمح والسكين في جيبه.. كان ذلك قبل عصر المسدسات وأجهزة التسجيل التي تأخذ شكل زراير الجاكتة ودبوس الكرافتة.. ولكن في عصر هذه الأجهزة الصغيرة الدقيقة عدل الإنسان عن عادة السلام.. إنه يكتفي بأن يهز رأسه أو عينيه.. إنهم في الهند يرفعون اليدين مضمومتين للسلام على الشخص الواحد وعلى ملايين الأشخاص أيضا..

وأنا أعتقد أن الإنسان بالعدول عن السلام باليد أصبح أكثر صراحة لأنه بالفعل يخفي شيئا لا وراء ظهره، ولكن تحت جلده.. أما هذا الشيء فهو أنه لا مبرر للسلام.. فالمسافة أبعد من أن تقطعها يدي إلى يدك..

ومن الغريب أننا قد لاحظنا هذه المسافات التي بيننا ونحاول بشيء من الخجل أو التورط أن نضيقها.. فنندفع إلى الزيارات بعصبية.. فلان يرى من الضروري والواجب والأصول أن يزور فلانا.. وهذا الفلان يرى من الضروري والأصول أن يرد الزيارة.. ولكن ما الذي يحدث في هذه الزيارة؟ لا شيء.. ما الذي يقوله الناس؟ لا شيء.. يجلسون وكأنهم واقفون.. ويقفون وكأنهم ينتهزون فرصة للهروب؟ ولكن من أي شيء يهربون؟ يهربون من إحساسهم بأنهم يمثلون بعضهم على بعض. يمثلون الشوق والحنين والصداقة والمحبة والوحشة!

وهو تمثيل يقوم به ممثلون أمام ممثلين هواة أيضا.. ولكن هذه هي التمثيلية الوحيدة الكاذبة التي أكسبها التكرار اليومي حق الحياة بين أناس عواطفهم غائبة!

سمعت مؤخرا عن شلة من الأصدقاء قرروا أن يتزاوروا كل يوم أحد في بيت.. وقرروا في نفس الوقت أن يلقي واحد من الحاضرين بحثا في موضوع يختاره.. وأثناء الكلام يقدمون الشاي، وهو أسلوب مهذب لتخفيف حدة الكلام أو طريقة لكي يصبح للألفاظ طعم الجاتوه.. وحاجة الإنسان إلى أن يغير ريقه معناها أن فيه رائحة غير مستحبة، ومن المؤكد أنها رائحة الكلام الذي يخرج من فم السيد المتحدث.. فما معني هذا؟

معناه أن الناس عندما يقررون أن يلتقوا مجرد التقاء يجدون أنفسهم في حاجة إلى مبرر.. في حاجة إلى سبب وجيه.. فاللقاء نفسه ليس غاية، وإنما هو وسيلة إلى شيء.. ومعنى ذلك أنه إذا فكر إنسان في أن يزور جاره فيجب ألا يندهش إذا سأله الجار: خير إن شاء الله؟!