نهاية عهد في إيران

TT

يصل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى الأمم المتحدة الأسبوع الحالي من أجل خطاب عدواني مرة أخرى. من المؤكد أن تكهنات وسائل الإعلام سوف تركز على انخفاض أسهمه السياسية التي أوضحتها العلاقات المتوترة مع القضاء على خلفية مصير متسلقي الجبال الأميركيين اللذين ألقي عليهم القبض في يوليو (تموز) عام 2009 ولا يزالان في الحبس حتى الآن. وكذلك ستركز على تغير التوازنات داخل الدولة الاستبدادية وبالطبع طموحاتها النووية كما هو الحال دائما. لكن يعوز هذا التناول أمر في غاية الأهمية، ألا وهو أن الجمهورية الإسلامية قد دخلت مرحلة ما بعد الاستبداد. ولتوضيح الأمر، يمكن القول إن نظام حكم رجال الدين في طهران لا يتبنى المبادئ الديمقراطية ولا خفف من قمعه. يمثل نظام حكم رجال الدين دولة استبدادية غير عادية تختلف مثلا عن سوريا في أنها تعتمد على التوافق الأيديولوجي في فرض سطوتها وقوتها بشكل تعسفي. ويتمثل الإنجاز الكبير الذي حققته حركة المعارضة الخضراء في فضحها لأكاذيب النظام المنهجية وتسليط الضوء على ما يرتكبه من انتهاكات. وقوضت محاولات المعارضة منذ الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2009 قدرة النظام على البقاء. في النهاية يعد حديث أحمدي نجاد الصاخب غير ذي صلة، فهو مبعوث لا علاقة له بالأمر لنظام يتجه بصعوبة نحو مزبلة التاريخ.

كان تعهد النظام الإيراني بدمج القيم التعددية في نظام الأحكام الإسلامية احتيالا مثله مثل الديمقراطية المركزية والشرعية الاشتراكية. ويحتاج النظام الاستبدادي مثل الاتحاد السوفياتي إلى المزيد من القوة المفرطة الوحشية للبقاء، فبقاؤه يقوم على مدى تمكنه من إغراق المجتمع بنفاقه. في سياق التقويض لحرية المجتمع الذي وصفه أورويل، تأمل عظة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي التي قال فيها إن الانتخابات ستجرى نهاية العام الحالي وعلى الجميع التيقظ والانتباه من أجل حماية الانتخابات باعتبارها هبة من الله. يُسمى تزوير الانتخابات حماية الانتخابات في رأي رجال الدين المتصوفين. لقد صنع النظام واقعا نادرا ما يراعي الحدود. تزعم الدولة أنها تلتزم بمبادئ حقوق الإنسان، لكنها تعقد محاكمات صورية وترتكب انتهاكات تحرمها الشرائع السماوية. ويزعم النظام أنه يسعى إلى التوصل إلى توافق دبلوماسي مع الغرب، في الوقت الذي تمثل فيه تصرفاته انتهاكا للمواثيق والأعراف الدولية.

يزعم رجال الدين رفيعو المستوى أنهم لا يخشون شيئا، بينما هم يخشون كل شيء: مواطنيهم وجيرانهم وبعضهم البعض. السؤال الهام في هذا المقام هو: لماذا يتمسك النظام إلى هذا الحد بخطاب لا يقنع أحدا؟ الجمهورية الإسلامية مثلها في ذلك مثل كل الدول القائمة على أيديولوجيات، تسعى إلى التأثير على مواطنين ربما لا يصدقون هذه التصريحات السخيفة، لكنهم يريدون الإذعان لها والتسليم بها. إذا تغاضى الجميع عن الأكاذيب، سيصبح المجتمع خاضعا وخانعا. وبما أن الجهاز البوليسي للنظام شرس، ربما يحتاج إلى ضبط ذاتي وشعبية من أجل النجاح في أداء مهامه، بمعنى أن على الجمهورية الإسلامية نفي بعض الحقائق الأساسية لتحافظ على بقائها. لقد ظل الإيرانيون متعاونين لعقود، لكن تجاوزت الحركة الخضراء الحد المسموح به في الخطاب، حيث حطمت قيود النظام عندما أعلنت أن الإمبراطور عارٍ. من خلال التحدي اليومي مثل تنظيم الإضرابات والاحتجاجات بين صفوف الطلبة والإدانات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، تتصدى المعارضة لما يقدمه النظام من تبريرات وتفضح زيفه وتدحض مزاعمه عن وجوده في كل مكان. ويعد هذا النوع من المعارضة هداما في نظرهم، حيث يزيح الغطاء الأيديولوجي الذي على المخلصين التمسك به من أجل تنفيذ أوامر النظام. على سبيل المثال، أضفت الجمهورية الإسلامية على التعذيب وهم الأخلاق المريح من خلال القول إن الغرض من هذه الأفعال الوحشية مساعدة الجمهورية الفاضلة المتدينة على السير في طريق الله. لقد كشف النصر الأيديولوجي الذي حققته الحركة الخضراء الكذبة وأوضحت أن مسؤولي الدولة لم يعد بإمكانهم خداع ضمائرهم.

يراقب كل من خامنئي وأحمدي نجاد النخبة منقسمة على نفسها بكل مكوناتها، حيث الرعيل الأول للثورة ورجال الدين رفيعو المستوى المنضمون إلى المعارضين وبعض أجهزة الأمن غير متأكدين من الإطار الذي يعملون من خلاله. إضافة إلى ما يشعرون به من توتر، على خامنئي ورجاله مواجهة عدوى الربيع العربي. لا يمكن لإيران أن تظل بمعزل عن التحول الذي يحدث حولها. توضح محاولات النظام الفجة في ربط ما يحدث من انتفاضات عربية بالثورة الإسلامية عمق مخاوفه. على الجانب الآخر تحتاج الحركة الخضراء إلى الاستجابة لتحدي اليقظة العربية وتجاوز مرحلة تجريد النظام من شرعيته والانتقال إلى مرحلة مواجهته في الشوارع. ومع ما تمر به المنطقة من تحولات واستمرار تأكل بنية سلطة الجمهورية، من المرجح أن تكتمل دائرة التغيير بالوصول إلى النقطة التي بدأت منها وهي شوارع طهران. هناك علاقة وثيقة بين الحركة الخضراء والربيع العربي، فالاثنان يتقاسمان القيم نفسها ويكتبان أقدار بعضهما البعض. عندما يعتلي أحمدي نجاد المنصة في الأمم المتحدة، سيكون الأمر الجلي هو كيف تجاوز العالم، بما فيه الإيرانيون، المحرمات العفنة والفرضيات المنطقية المسلم بها لجمهوريته. في النهاية، لا يمثل أحمدي نجاد الدين الذي من المؤكد أنه سيشير إليه ولا الدولة التي يزعم قيادتها.

* زميل رفيع المستوى

في مجلس العلاقات الخارجية في البيت الأبيض

* خدمة «واشنطن بوست»