هل يكون نجاد «سادات» إيران؟

TT

الانطباع العام الخارجي عن الرئيس الإيراني السادس في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، محمود أحمدي نجاد، أنه متشدد في أفكاره، شعبوي في سياساته، صاحب تصريحات نارية في السياسة الخارجية تبدو غير منطقية، يتحدث في بعض الأحيان عن الرسائل والأحلام التي ليس لها مكان في عالم السياسة الواقعية.

لكن بين فترة وأخرى تظهر شخصية أخرى مختلفة عن الصورة أو الانطباع الذي يحرص على إعطائه لنفسه بما يدعو لإعادة التفكير فيما إذا كان هذا الانطباع صائبا أو خاطئا، وهل نعرف كل شيء عما يدور في كواليس السياسة وصناع القرار في إيران، البلد المغلق الذي لا يتمكن الصحافيون الأجانب من العمل فيه بحرية؟

ومثال على براغماتيته: تصريحاته في «واشنطن بوست»، التي أعلن فيها العفو عن الأميركيين المسجونين في إيران بعد أن عبرا الحدود خطأ، كما قالا، مع أميركية ثالثة أطلق سراحها بكفالة، فقد وقَّت القرار ليأتي متزامنا مع سفره إلى نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو قرار لم يلاقِ هوى لدى منافسيه المحافظين الذي عطلوا التنفيذ حتى الآن بعدة حجج، آخرها أن القاضي الثاني المفترض أن يوقع على قرار الإفراج في عطلة ويجب الانتظار لحين عودته. في التصريحات نفسها لم ينفِ أحمدي نجاد الخلاف بينه وبين الرجل الأول في الجمهورية ومصدر السلطات المرشد علي خامنئي برده على السؤال بسؤال آخر هو: هل يمكن العثور على اثنين لديهما رؤية واحدة تجاه العالم؟ وهو بذلك لم ينفِ الخلاف، والأهم أنه وضع نفسه على المستوى نفسه مع خامنئي.

قبلها بشهرين تقريبا وبالتحديد في الأسبوع الأول من يوليو (تموز) فاجأنا أحمدي نجاد، الرجل الملقب بالمتشدد، وخريج الباسدران والحرس الثوري والحاصل على دكتوراه في المرور والمواصلات، بخروجه ليعلن معارضته الشديدة للقرار الذي أصدره وزير التعليم بالفصل بين الجنسين، الإناث والذكور، في الجامعات الإيرانية، ويأمر بإلغائه، وذلك في إطار معركته مع معسكر المحافظين في إيران التي أخذت فصولا مختلفة مثيرة منذ بداية العام.

معركة نجاد وفريقه، خاصة كبير مساعديه وصهره أصفنديار مع المحافظين الذين دخلوا معه في صراع تكسير عظام هذا العام، تثير الحيرة في تصنيف الرئيس الإيراني المحسوب أصلا على المحافظين، وهم الذين دعموه بقوة في معركة أول رئاسة له عام 2005، ووصل الصراع إلى حد اتهامه بالخروج على طاعة خامنئي، والاستعانة بمساعدين من أتباع الشيطان، إلى آخر قائمة الاتهامات.

والخيط الواضح في هذه المعركة هو أن هناك صراعا مكتوما على النفوذ والسلطة بين أحمدي نجاد، الذي يمثل بحكم منصبه المؤسسة المدنية في الدولة، والمؤسسة الدينية وعلى رأسها المرشد الذي يعد أعلى سلطة، وهو المرجع النهائي والحكم بين المؤسسات ولا ينتخبه أحد.

المفارقة أن هذا الصراع جاء بعد انتخابات الرئاسة في 2009، التي شككت المعارضة في نتيجتها وشهدت إيران بعدها حركة احتجاج واسعة جرى قمعها ووضع قائداها موسوي وكروبي تحت الإقامة الجبرية، وتدخل المرشد لينحاز إلى جانب أحمدي نجاد ليؤكد أحقيته بالرئاسة، وهو ما جرى، لكن نجاد خرج منها ضعيفا وسلطته مرهونة بالمرشد الذي وقف بجانبه، وليس كالمرة الأولى التي أدت شعبويته إلى فوزه.

لا أحد يعرف إلى أين سيقود هذا الصراع الواضح أنه لم ينتهِ بعدُ؛ فهناك كلام عن أن أحمدي نجاد يخطط ليأتي صهره في انتخابات الرئاسة المقبلة، لكنه صراع يعكس تطورا كان لا بد أن يحدث بعد 3 عقود من الثورة الإيرانية التي هيمن فيها رجال الدين على السلطة وكان مصدر السلطات والسلطة التنفيذية، فأي شخص يجلس على مقعد الرئاسة يريد أن يحكم حقيقة وليس أن يكون مجرد موظف لدى المرشد الذي لم يغادر إيران منذ عام 1989. هل يكون نجاد هو الرئيس الذي ينقلب على أركان النظام ويعيد تجديده لتأكيد سلطته كما فعل السادات في مصر مع مراكز القوى في أوائل السبعينات؟ سؤال مفتوح، يستحق التفكير فيه حتى لو كان الأمر استنتاجا خاطئا.