إثمهما أكبر من نفعهما

TT

لا أظن أن هناك مفسدة أو منقصة أكثر من معاقرة الراح ـ أي الخمرـ غير أن البشرية ابتليت بها مثلما يبتلى الإنسان بمرض (hiv).

صحيح أنه لم يرد هناك نص صريح في القرآن الكريم على إقامة الحد على شاربها، ولكن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب أحسن صنعا عندما أقام الحد على ابنه (عبيد الله) عندما وجده سكرانا، فجلده بالسوط ثمانين جلدة دون أن تأخذه به أي رأفة أو شفقة، وكانت تلك سُنة حسنة استمرت إلى الآن ما يقرب من خمسة عشر قرنا هجريا.

وللأسف أن كتب التراث التاريخي تحكي لنا مواقف مخجلة ومبتذلة من هذا الشأن أحيانا، ووجدت أنه لا بأس من إيرادها رغم ما فيها لكي يتأسى بها في هذه الأمة من ابتلي بها، ولكي يرتدع من هو على شفا حفرة من الوقوع فيها، ومنها مثلا وبالنص:

إنه كان بمكة رجل يملك خمارة، وكان يجتمع فيها عدد من المجان والخلعاء، فشكاه القوم إلى عامل مكة، فغرّبه إلى الصحراء. فبنى بها منزلا هناك وأرسل إلى إخوانه، قال: ما يمنعكم أن تعاودوا ما كنتم فيه؟ قالوا: وأين بك وأنت بعيد المنال؟ فقال (بما معناه): تعالوا، وستجدون هناك ما يسركم، ففعلوا فكانوا يركبون إليه حتى فسدت أحداث مكة.

فعاد القوم بشكايته إلى والي مكة، فأرسل الوالي في طلبه فأتي به، فقال: يا عدو الله طردتك من مكة فسرت بفسادك إلى الصحراء، فقال: يكذبون علي، أصلح الله الأمير، فقال القوم: دليلنا أن تأمر بحمير مكة، فإن قصدت منزله كعادتها فنحن غير مبطلين، فقال الوالي: إن هذا لدليل وشاهد عدل. فأمر بحمير من حمير الكراء فجمعت ثم أرسلت من غير دليل فسارت إلى منزله، فأعلمه بذلك أمناؤه، فقال: ما بعد هذا شيء، أقيموا عليه الحد.

فلما نظر إلى السياط قال: لا بد أصلحك الله من ضربي؟ قال: نعم يا عدو الله، قال: ما في ذلك شيء هو أشد من أن يشمت بنا أهل العراق ويضحكوا منا ويقولوا: إن أهل مكة يجيزون شهادة الحمير، فضحك الوالي حتى استلقى على قفاه، ثم أخلى سبيله.

كما أنه هناك حادثة أخرى أكثر إيلاما وبالنص كذلك:

يقال: إنه كان هناك رجل ظريف يكثر من شرب الخمر والعياذ بالله، فأحضروه للوالي، فأمر أن يكتبوه قسما عند القاضي أن يمتنع عن شرب الخمر، فمضوا به، ولما مثل لديه قال له القاضي: يا ولدي نشهد عليك أنك لا تعود تشرب مسكرا ولا تقرب رواق الغدير ولا بركة اليقطين ولا حارة عكا ولا الجيزة ولا المنية ولا سويقة. فقال الرجل الظريف: اكتبوا القسم على مولانا القاضي، فإنه أخبر مني بهذه المواضع التي عددها، فأنا لا أعرفها. فاستظرفوه وأطلقوا سراحه ـ انتهت نصوص التراث المشرف ـ وفي ظني أنه ليس هناك نقيصة في أخلاق الإنسان تماثل شرب الخمر غير لعب الميسر ـ أي القمارـ سواء كان منها (بوكر أو روليت أو بلاك جاك) أو خلافها، وأعجبني رد أحدهم عندما سألته عن رأيه في اثنين من الرجال، فقال لي دون أن يرف له رمش:

إنهما كالخمر والميسر، إثمهما أكبر من نفعهما.

فلم أملك إلا أن أقول له: صح لسانك.. (برافو، يا واد يا تقيل).

[email protected]