المشكلة أن اللغة مشكلة!

TT

في هذه اللحظة.. ما الذي يربطني بك؟ اللغة هي التي تربطني بك.. هذه الكلمات التي نعرفها نحن الاثنان.. هذه المعاني التي أحاول أن أنقلها إليك على أكتاف هذه العبارات.. فالعبارات مثل عربات القطار.. مثل الترام.. مثل الطائرات.. كلها وسائل للنقل بيني وبينك.. وبين كل الذين حولك.. فهل أنا مفهوم عندك؟ يجوز!

هل أنا محبوب منك؟ يجوز! هل أنت مفهوم من الذين حولك؟ هل تستطيع أن تنقل بسهولة كل ما في رأسك إلى رؤوس الآخرين؟ ألا تشكو من أنك تؤذّن في مالطة.. أي في مكان بعيد فلا يسمعك أحد؟! هل الناس ينظرون ولا يرون.. أي يفتحون عيونهم دون أن يعرفوا بوضوح ما يرون؟ هل الناس يسمعون ولا يصغون.. أي يفتحون آذانهم ولا يدركون ماذا تقول؟!

المشكلة هي أن اللغة مشكلة.

والإنسان يحاول من عشرات الألوف من السنين أن يعبر.. أي يحاول أن يكتشف وسيلة أوضح وأسرع للعبور والتعبير.. أي للنقل بين الناس بعضهم وبعض.. وليس الدين والفلسفة والأدب والفن والعلوم إلا محاولة إنسان أن يقرب المسافة بين الناس بعضهم وبعض. ليست إلا محاولة للحوار بين الناس.. والحوار معناه: أن أراك وأن أتحدث إليك أنت.. وأن تسمع ما أقول وأن ترد على ما تسمع.. وأن نتبادل عملات ثابتة القيمة فتضيق المسافات بيننا فلا نصبح في حاجة إلى جسور لغوية.. أو كباري.. أو أسلاك علمية.

وإذا كانت المواصلات عندنا هي: السيارات والقطارات والطائرات والتلغرافات والتليفونات فهناك مواصلات أخرى بين الناس، وهي مواصلات الكلمات في الأدب والخطوط في الفن.. وهذه المواصلات لها أسماء أيضا هي: الواقعية وفوق الواقعية والتكعيبية والمستقبلية والتأثيرية والوجودية واللامعقولة. وكل هذه المذاهب ليست إلا ماركات لمواصلات جديدة بين الناس، ومذهب اللامعقول أو العبث معناه أنه لا صلة بين الناس ولا حوار.. لا لغة ولا تفاهم بين الناس.. وان كل إنسان يتحدث إلى نفسه مجنون دون أن يدري!

أو ماركات لمواصلات تحاول أن تقصر هذه المسافة التي بيني وبينك.. وما أبعد المسافة التي بيني وبينك. إن هاتين الكلمتين متجاورتان.. لا يفصلهما سوى ملليمترات.. ولكن هذه المسافة في الحقيقة هائلة عرضا وطولا وعمقا وتاريخا!

فهل هناك أبسط من أن تقول الأرض «و» الشمس؟!

ولكن هذه «الواو» التي بين الأرض والشمس طولها 93 مليون ميل!