أسفا يا مالك العراق

TT

عندما تسلم نوري المالكي الحكم قبل سنوات، أفضى بتصريحات مشجعة توقعت منها الخير للعراق. بيد أنه لم يتحقق منها غير القليل. قالوا إنه وقع في أسر طهران ولا يستطيع الحكم من دون الإصغاء لها. والظاهر أن في ما قالوا الشيء الكثير من الحقيقة.. فقبل أسابيع صرح، كأي عربي وطني غيور، معربا عن تأييده الانتفاضة السورية، ولكنه سرعان ما استدار وهاجمها وأيد الأسد. يبدو أن طهران ضربته على أصابعه وحذرته.

في المقابلة التي عقدها معد فياض مع إياد علاوي أثناء وجوده في لندن، نقل زعيم المعارضة العراقية ما قاله له الأسد بأن إيران لن تسمح بقيام أي حكومة في بغداد لا ترضيها. ويظهر أن من أكبر من المالكي، الرئيس أوباما نفسه، وقع هو أيضا في أسر الإيرانيين بعد أن علموه بأنهم إذا لم ينالوا مرامهم في العراق فإنهم سيثيرون الاضطرابات والمشكلات ضده. ولا تريد واشنطن أن تخوض حربا ثانية في هذا البلد المنحوس.

إذا صحت هذه القراءة، فإن المالكي يجد نفسه بين فكي كماشة؛ إيران من ناحية، وأميركا ودول الجوار من ناحية أخرى. لا أدري كيف سيجد لنفسه أي مجال للحركة وسط هذه الكماشة. ولكنني أود أن أفتح له صفحة من تاريخ العراق في العشرينات، لعل فيها بعض الفائدة.. فعندما أصبح استقلال العراق بين جذب ودفع بين الوطنيين والإنجليز، اهتدى زعماء العراق كياسين الهاشمي ونوري السعيد ومحسن السعدون، إلى استعمال ورقة المعارضة في لعبتهم مع الإنجليز.. كلما ضغطوا عليهم بمطاليبهم، قالوا لهم على العين والرأس، ولكن اسمعوا ضجيج المعارضة في المجلس ومظاهرات الناس في الشوارع.. كيف نستطيع الإذعان لطلبكم ونواجه كل ذلك؟ والشائع أن المفاوضين العراقيين كانوا يحثون من وراء الستار المعارضة على رفع صوتها.. وأخيرا أضافوا لهذه الورقة ورقة انتحار السعدون وما كتبه في وصيته بأن الشعب يريد والإنجليز يرفضون، فما العمل؟ تريدون منا جميعا أن ننتحر؟!

هذه صفحة أريد أن أضعها أمام أنظار المالكي.. إنها تتطلب إعادة ترتيب استراتيجيته، بحيث يجعل من المعارضة ومن مظاهرات الربيع العربي في العراق ورقة بيده يستعملها في لعبة الجذب والدفع مع القوى الضاغطة عليه؛ إيران وأميركا ودول الجوار. وهذا يتطلب أن يستعمل ما استعمله الأول في العشرينات، وهو أن يقوي المعارضة ويفسح للمظاهرات والاجتماعات ويحولها إلى قوة في صالحه لا ضده. بذلك يثبت للعالم أن الديمقراطية العراقية ديمقراطية حقيقية وأن الحكومة مكبلة بإرادة الشعب وصوت المعارضة.

المؤسف أن ما ورد من أنباء أشار لنقيض ذلك.. فعندما تظاهر العراقيون في ساحة التحرير جرى تفريقهم بعنف أفضى لكثير من الإصابات.. اعتقل أربعة من المحرضين وتعرضوا للضرب والتعذيب، وأخيرا اغتيل الكاتب والفنان المسرحي والتلفزيوني هادي المهدي الذي اتهم بالتحريض على نقل الربيع العربي لبغداد، وحتى الآن لم يفض التحقيق عن أي نتيجة سوى تبادل الاتهامات حول مقتله. بيد أن صفوف المعارضة تؤكد على مسؤولية السلطة عن قتله، وهو الأولى بتصديقه.. ما هكذا يا قيس تورد الإبل!