إنه التعب!

TT

ما هو أعدى أعداء الحضارة؟

إنه الخوف من الحرب.. الخوف من الغزو.. الخوف من المرض.. الخوف من الجوع.. إن هذا الخوف يجعل أبناء الحضارة لا يفكرون في البناء والتشييد.. ولا في التخطيط.. إنهم لا يتساءلون.. لا يناقشون ولا يريدون أن يغيروا شيئا، وإذا أرادوا فإنهم لا يستطيعون!

وأخطر من الخوف على الحضارة وعلى الأفراد أيضا.. الإرهاق.. التعب.. إنه ذلك الشعور باليأس الذي يستولي على أكثر الناس نجاحا وفلاحا.

إنني أتذكر قصيدة لشاعر الإسكندرية اليوناني كفافيس يقول فيها إن مدينة الإسكندرية كانت تتوقع في العصور القديمة غزوا خارجيا بربريا وظلت تنتظر.. وأرهقها الانتظار.. ولكن الغزاة غيروا اتجاههم وهاجموا مدينة أخرى.. صحيح أن المدينة قد أنقذت من الغزو.. ولكن الخوف واليأس والتعب أرهقها.. حطمها.. كأن غزوا حقيقيا قد وقع.. بل إن شيئا أقسى من الغزو هدم عقول وقلوب الناس.. إنه الإرهاق.. إنه مرض كل جسم.. ومرض العزيمة والخيال أيضا!

إن الحضارة كالصحة تحتاج إلى مناخ مادي يمكنها من الاستمتاع بالراحة.. والحضارة تحتاج إلى الثقة بالنفس وبالمجتمع الذي تعيش فيه.. وتحتاج إلى إيمان بفلسفة أو بفكرة!

إن هذا الإرهاق هو الذي يهد حيل الناس.. فيجعلهم أضعف من الظروف.. أصغر من المصاعب.. وهنا فقط تستولي عليهم الظروف أو تدفعهم إلى ما ليس واجبا.. ولا ما هو ضروري!

أنت تفعل ذلك.. وهو.. وأنا..

إننا جميعا إذا تعبنا طغت علينا الظروف.. وتطاولت علينا المصاعب وأصبح كل شيء حولنا أكبر منا.. تعملق كل شيء لنصبح نحن أقزاما..

نحن نعيش في عالم قد تطورت فيه أشكال التعب.. كما تنوعت أساليب وأشكال الراحة.. إن التعب يدخل من النافذة ومن التليفون ومن الشاشة ومن الصحف وكل كلمة مكتوبة حتى لو كانت مضحكة فمن الممكن أن يضحك الإنسان حتى يموت من الضحك!!

ومن مظاهر التعب في هذه الدنيا أن يحدثك أناس عن الراحة، وهم في غاية التعب والتعاسة واليأس.. كما تنظر إلى وجه الطبيب الذي رأى قبلك مائة مريض وكتب لهم الشفاء مع أن أعراض الأمراض كلها على وجهه!

وكلنا جميعا مرهقون متعبون نتساند بعضنا على بعض في وجه أهم وأخطر أمراض العصر: التعب!