هكذا وضعت حماس نفسها في الدائرة الأميركية ـ الإسرائيلية!

TT

ارتكبت حركة حماس خطأ فادحا، بل مميتا، وهي وضعت نفسها إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة، وإن بحسن نية، عندما اعترضت على ذهاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) بطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967 إلى الأمم ووصفت هذه الخطوة، كما فعل الأميركيون والإسرائيليون، بأنها انفرادية وحقيقية أن هذا يؤخذ على هذه الحركة، رغم أنها قالت خلافا لمواقف سابقة إنها تريد الاعتراف بمثل هذه الدولة على فلسطين كلها وليس فقط على قطاع غزة والضفة الغربية.

وتعرف حماس، التي ربما أن دافعها إلى هذا الموقف المستغرب الذي يتعارض مع توجهات الرأي العام الفلسطيني والعربي والإسلامي أيضا هو مجرد المناكفة لعدم استشارتها بالنسبة لهذه الخطوة مسبقا، أن محمود عباس قد ذهب إلى نيويورك لمخاطبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بقرار من العرب كلهم، وأنه ذهب ليتحدث إلى الجمعية العمومية، وليس إلى بنيامين نتنياهو أو الأميركيين الذين حاولوا تحت الضغط والتهديد والوعيد ثنيه عن هذا القرار، لكنه صمد صمود الجبابرة، وأصر على خطوته هذه وهو يعرف أنها ستكون مكلفة، سياسيا وماليا بالطبع، له ولسلطته ولمنظمة التحرير الفلسطينية.

ولعل ما هو مؤكد أن حماس كانت ستبادر إلى شن هجوم على أبو مازن على غرار هجوم حملة «غولدستون» المعروفة، وأنها سترفع هي وأعوانها مجددا شعار إسقاط الرئيس الفلسطيني وإلصاق تهمة الخيانة العظمى به، كما كانت فعلت وفعل أعوانها في مرات سابقة لو أنه استجاب للتهديدات الإسرائيلية وخضع للابتزاز الأميركي وتخلى عن قرار الذهاب إلى الأمم المتحدة بطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية المنشودة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 واكتفى بالوعود التي تلقاها ولا يزال يتلقاها باستئناف المفاوضات العدمية التي غدت مضيعة للوقت في ظل عدم وجود ضمانات مرفقة بجداول زمنية تضمن ألا تستمر مثل هذه المفاوضات لعشرين سنة أخرى، كما كان قال إسحاق شامير في مؤتمر مدريد الشهير، من دون التوصل إلى أي نتائج حقيقية وفعلية.

والمفترض أن حركة حماس تعرف أن الرئيس الفلسطيني قد أراد هذه الخطوة كمناورة بارعة بحيث يضمن على الأقل، وهذا قد يحدث اليوم (الخميس) أو غدا إذا لم يكن قد حدث قبل نشر هذا المقال، كمرجعية للمفاوضات في حال استئنافها اعترافا بحدود الرابع من يونيو عام 1967، ومن ضمنها القدس الشرقية مع وقف شامل للاستيطان والاتفاق على جدول زمني بضمانة الرباعية الدولية لضبط هذه المفاوضات وفق مراحل متلاحقة وبحيث لا يحصل ما حصل خلال كل هذه السنوات الماضية منذ توقيع اتفاقيات أوسلو في عام 1993 وحتى الآن. لم تكن خطوة أبو مازن هذه انفرادية إلا من وجهة نظر إسرائيل وأميركا وللأسف حركة حماس ثم ويقينا أنه لو لم تكن هناك كل هذه التجارب المريرة منذ هزيمة يونيو المنكرة وحتى إخراج منظمة التحرير من بيروت في عام 1982 تحت ضغط الاجتياح العسكري الإسرائيلي الذي قاده أرييل شارون، الذي كان وزيرا للدفاع في ذلك الحين، ولو أن العالم كله لم يتغير وتغيرت معه معادلات وقوانين الصراع السابقة المتعلقة بالقضية الفلسطينية والشرق الأوسط لما تردد أبو مازن في أن يطالب من فوق منبر الأمم المتحدة ليس بفلسطين من البحر إلى النهر بل وفوق هذا كله بمياه إقليمية تتعدى قبرص إلى المياه الإقليمية التركية.

إنه لا يمكن مؤاخذة «المجاهد الكبير»!! رمضان عبد الله شلح رئيس حركة الجهاد الإسلامي في أن يزايد على أبو مازن، ويطالب بأن يشمل طلب الاعتراف، الذي ذهب به الرئيس الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، فلسطين كلها وحتى آخر ذرة تراب فهو يتحدث من طهران أعانه الله، والناس على دين ملوكهم كما يقال، ولذلك وبما أن هذا هو رأي الولي الفقيه علي خامنئي وأيضا رأي محمود أحمدي نجاد، فإنه أمر طبيعي أن يكون رأي أي متحدث من العاصمة الإيرانية، وبخاصة أن هذه المرحلة مرحلة مزايدات وألاعيب سياسية.. أما بالنسبة لحركة حماس، فإن المفترض، وبخاصة بعد أن أصبحت لها دولة في غزة وأصبح لها مستشار عملي وواقعي هو الدكتور أحمد يوسف، أن تخيط بمسلة أخرى، وألا تقع في هذا المطب الذي وقعت فيه فوضعت نفسها في مواجهة شعبها الذي أضناه الانتظار وبات بحاجة حتى إلى خطوة مغامرة كهذه الخطوة التي أقدم عليها محمود عباس (أبو مازن).

في كل الأحوال، إن هذا الخطأ الفادح الذي ارتكبته حركة حماس فوضعت نفسها إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة في دائرة واحدة، ولو من قبيل حسن النيات، والمثل يقول: «إن الطريق إلى جهنم معبّد بذوي النوايا الحسنة»، ليس هو الخطأ الاستراتيجي الوحيد الذي ارتكبته هذه الحركة منذ انطلاقتها في عام 1987 كمشروع فلسطيني للتنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين»، فقبل هذا الخطأ الأخير كان الأخ خالد مشعل (أبو الوليد) قد أدار ظهره للشعب السوري كله ولإخوته في «إخوان سوريا» وعاد بعد نقاهة شهر كامل ضيفا على رجب طيب أردوغان في تركيا ليستقر هو ومكتبه السياسي في دمشق، وكأن كل هذا الذي جرى ويجري في هذا «القطر الشقيق» جرى ويجري في مكان خارج الكرة الأرضية، وكأن شعبا ثائرا منذ قرن بأكمله هو الشعب الفلسطيني يقبل بانحياز بعض من يعتبرون أنفسهم قيادته إلى نظام قمعي استبدادي ولغ في دماء شعبه حتى الثمالة.

إنها غلطة لا تغتفر ولا تبرر ولا يمكن السكوت عنها، وبخاصة أن الفرز في سوريا وفي المنطقة كلها بات إما هنا أو هناك، إما مع الجلاد أو مع الضحية، وإما مع المستقبل أو مع الماضي، والغريب أن خالد مشعل، الذي هو عضو مكتب شورى التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين»، فعل كل هذا الذي فعله مع أن هذا التنظيم بكل امتداداته وفروعه وقياداته يعتبر أن الثورة السورية المتأججة، التي دخلت نصف عامها الثاني قبل أيام، ثورته، وأنه يعتبر أن نظام الرئيس بشار الأسد طائفي ومستبد ومفرط بهضبة الجولان المحتلة وداعم رئيسي لحزب الله اللبناني الذي لم يعد خافيا على أحد أنه أهم مشاريع إيران المذهبية في هذه المنطقة العربية.

إنه غير مقبول القول: «ولكنها استحقاقات ديكتاتورية الجغرافيا»، إذ إن بإمكان أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس، والمقصود هنا الفرع الخارجي، بدل هذا التلطي الذي لا يقي من حر ولا من قر، أن يودعوا رحلة المنافي هذه المكلفة سياسيا ووطنيا ويعودوا إلى غزة ليعيشوا بين أبناء شعبهم مرفوعي الهامات ومثلهم مثل الدكتور محمود الزهار وإسماعيل هنية وغيرهما ومثل قافلة أولئك الشهداء الأبرار وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين رحمه الله.

وأيضا وقبل هذه الأخطاء الاستراتيجية القاتلة فقد كان هناك خطأ الانقلاب العسكري الذي كانت حماس قد نفذته في عام 2007، بتعليمات من رئيس المكتب السياسي خالد مشعل وبالتنسيق مع طهران ودمشق، ضد منظمة التحرير وضد السلطة الوطنية وضد شركائها في حكم ما بعد الانتخابات التشريعية التي فازت بها، حيث أصبح رئيس وزراء هذه السلطة إسماعيل هنية الذي لا يزال رئيس وزراء لكيان انفصالي يتخذ طابع الدويلة التي يقيمها حسن نصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية.

ثم وهناك الخطأ الأساسي الذي هو أن حماس قد طرحت نفسها، حتى قبل الإعلان عن إنشائها في عام 1987، كبديل إلغائي لمنظمة التحرير، وأنها بقيت تطرح نفسها كبديل إلغائي لهذه المنظمة، التي تعتبر أهم إنجازات الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، والتي يعني إلغاؤها العودة إلى التشرذم والتلطي في العواصم القريبة والبعيدة، ويعني تقديم خدمة جليلة للإسرائيليين الذين يعتبرون أن هذا الكيان المعنوي يشكل أكبر خصم لهم، وبخاصة في المجالات العالمية، وأيضا فإن هناك انحياز هذه الحركة إلى إيران على يد محمد حسن أختري في بدايات ثمانينات القرن الماضي، وتحولها إلى رقم غير ثانوي في معادلة ما كان يسمى «فسطاط الممانعة والمقاومة»، الذي كان خالد مشعل يراهن، ربما بغير قناعة، على أنه سيحرر فلسطين، وأنه سيمرغ أنف الاستكبار العالمي في التراب!!.