كل سلام.. وأنتم بخير!

TT

لماذا هذه المعارضة الأميركية لطلب السلطة الفلسطينية الانضمام إلى الأمم المتحدة، مع العلم بأن الرئيس الأميركي اعترف مبدئيا بالدولة الفلسطينية عندما تمنى مشاهدة ممثل فلسطين «حاضرا بيننا في السنة المقبلة»؟! وكيف ولماذا يعطل المسعى الفلسطيني للانضمام إلى الأمم المتحدة محادثات السلام مع إسرائيل؟

ما من عاقل منصف في العالم إلا ويحمِّل إسرائيل مسؤولية تعطيل محادثات السلام في السنوات الأخيرة، إن لم نقل منذ 20 عاما، ويدرك أن الحكومة الإسرائيلية تريد كسب 4 أو 5 سنوات أخرى في المماطلة، كي تغطي الضفة الغربية بالمستوطنات وتحولها إلى أرض يهودية - عربية السكان، فيستحيل عمليا قيام دولة فلسطينية –عربية على قسم من أرض فلسطين. في الواقع، ليس من سبب لهذه السلبية الأميركية أكبر من الانتخابات الأميركية المقبلة التي يلعب اللوبي السياسي والمالي اليهودي فيها دورا كبيرا، مع المحافظين الجدد اليمينيين الذين رآهم العالم وهم يصفقون واقفين لرئيس الوزراء الإسرائيلي في الكونغرس بعد خطابه الذي تحدى به الرئيس الأميركي في عقر داره!

إن مسؤولية الولايات المتحدة في دعمها شبه المطلق لإسرائيل، والمعطل، بالتالي، لأي محادثات سلام، حديثة قديمة، إلا أننا لا نفهم كيف توفق واشنطن بين دعوتها للدفاع عن الديمقراطية وحرية الشعوب وحقوقها، وما يجري في فلسطين! كيف تصدم الشعوب العربية والإسلامية بهذا التأييد شبه الأعمى لإسرائيل، في الوقت الذي تصفق فيه للربيع العربي! كيف تطارد الإرهابيين الإسلاميين في جبال أفغانستان ووهاد اليمن، في الوقت الذي تسكت فيه عن إرهاب من نوع آخر، ألا وهو احتلال أراضي الضفة وزرعها بالمستوطنات، واعتقال الألوف من الفلسطينيين!

لقد استولت إسرائيل واللوبيات الصهيونية، في الولايات المتحدة والغرب عموما، على الفكر والأدوات المحركة للسياسة. ولم ينجح العرب والمسلمون والفلسطينيون، حتى الآن، على الرغم من كل المواقف الإيجابية السلمية - والبعض يسميها تنازلات - في حمل إسرائيل على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ولا في إقناع الولايات المتحدة والدول الكبرى بإرغامها على ذلك. والسؤال الذي يطرح اليوم هو: ماذا سيكون موقف الدول والشعوب العربية والإسلامية من الولايات المتحدة، إذا أفشلت دخول الدولة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة؟

الجواب الأول هو ما رسمته الاضطرابات الشعبية أمام السفارة الإسرائيلية في القاهرة، والشعارات التي رفعت في مظاهرات المعارضة في الأردن، أي في الدولتين العربيتين اللتين وقعتا اتفاقية سلام مع إسرائيل. فتمادي إسرائيل في تعطيل عملية السلام وسكوت واشنطن عن ذلك قد يؤديان إلى تجميد علاقات هاتين الدولتين العربيتين بإسرائيل، إن لم يكن إلى أكثر من ذلك - وقد لمح رئيس الوزراء المصري إلى ذلك في حديث أخير - وسنشاهد الأعلام الأميركية والإسرائيلية تُحرق من جديد في العواصم العربية، وربما عادت أجواء الاستعداد لحرب عربية – إسرائيلية خامسة، تخيم على المنطقة، ناقضة المراهنة الأميركية - الإسرائيلية على أن سقوط الديكتاتوريات والتحول الديمقراطي في العالم العربي يسهلان تحقيق السلام.

في الواقع، لم يكن مصير الشرق الأوسط والعالم العربي، يوما، ملفوفا بالغموض والضياع، كما هو اليوم. وليس «الربيع العربي» وحده ما يهز قواعد الحكم في معظم الدول العربية طارحا أكثر من سؤال حول «من» سيحكم بعد سقوط الأنظمة الديكتاتورية: الإسلاميون (وأي نموذج منهم: التركي أم الأفغاني أم الإخواني)، أم الديمقراطيون المدنيون، أم العسكر مجددا؟ بل إن رياح صراعات إقليمية ودولية قديمة أخذت تعصف فيه أيضا، من العراق إلى الرباط، وهي تحمل عناوين خطيرة، وفي مقدمتها الحرب الباردة، ولو على نيران خفيفة، بين واشنطن وموسكو، والمشروع الإيراني - الشيعي الذي تعمل طهران على تنفيذه في العراق والخليج وسوريا ولبنان، ورد الفعل العربي - السني عليه، وكأننا عدنا 1400 سنة إلى الوراء. ولا ننسى الدور الذي يبدو أن تركيا مصممة على لعبه في العالم العربي والشرق الأوسط. وفوق ذلك كله الواقع الاقتصادي والاجتماعي المتفاعل مع المشاكل والأزمات التي تعانيها معظم الشعوب العربية، والتي ليس من السهل على أي نوع من أنظمة الحكم أن يتغلب على سلبياتها ويحول دون تفاقمها سياسيا. المشهد العربي، من أي زاوية نظرت إليه، لا يدعو إلى التفاؤل، بل يثير القلق والخوف ويوحي بالضياع، وهو مرشح للتمادي سنوات وسنوات قبل أن تنقشع الغيوم وتستقر الحياة السياسية في البلدان العربية. والغرب الذي صفق للربيع العربي بدأ يتساءل عن «مصلحته» جرَّاء ذلك. وتأتي القضية الفلسطينية، في مرحلتها المقبلة، لتزيد من خلط الأوراق وتسخين المواقف وتشابك أو تضارب المصالح، فتزيد الضياع ضياعا. من أي قضية أو أزمة أو مشكلة يبدأ الحل؟ كثيرون هم الذين يؤكدون أن البداية والأولوية للقضية الفلسطينية، لكن الصعوبات والعقبات التي اعترضت، ولا تزال، حل القضية الفلسطينية، أدت إلى بروز أولوية أخرى، ألا وهي تغيير الأنظمة العربية الحاكمة وقيام حكومات ديمقراطية لا تكون القضية الفلسطينية مجرد شعار وورقة يستغلهما الحكم لحرمان شعوبها من الحرية ومن حق محاسبته، لكن اهتزاز وتلبد الأفق الديمقراطي أمام الشعوب العربية أخذا يطرحان أسئلة جدية حول صوابية أو إمكانية هذا الحل.

ثمة نظرية تقول إن الحل يبدأ بتحرير العقل والمؤسسات المالية والإعلامية والسياسية الأميركية والأوروبية من شبه السيطرة اليهودية عليها ومنعها من ممارسة أي ضغط على إسرائيل، بل وتسخيرها في خدمة إسرائيل، ربما.. لكن كيف؟ الإرهاب، حتما، ليس أفضل أو أقصر طريق إلى ذلك.

أيا ما كانت البداية وكان طرف الخيط الذي يجب سحبه لفك تشابك الأزمات والأخطار للخروج من هذه «الحالة» التعيسة التي تعيشها الدول والشعوب العربية، فإن إمساك طرف الخيط وسحبه لا يكفيان، لسوء الحظ، للتخلص من العصبيات والطائفيات والمذهبيات والعقائدية والحزازات التي تمزق المجتمعات العربية، وتشكل سدا منيعا بوجه الوطنية الصافية والديمقراطية الحقيقية والإيمان الصحيح.

وكل سلام وكل ربيع وأنتم بخير.