أصداء علمانية أردوغان الجديدة

TT

أثارت إعادة تعريف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للعلمانية خلال زيارته لمصر وتونس وليبيا الأسبوع الماضي نقاشات واسعة، ليس في هذه البلاد فقط (يمكننا استثناء ليبيا، التي لا تزال منشغلة بالحرب الأهلية)، بل في تركيا أيضا.

نحن نعلم أن جماعة الإخوان المسلمين، أكبر قوة سياسية في مصر، انقسمت بالفعل حول تصريحات أردوغان، حيث أثارت انتقادات قوية لدى المتشددين داخل الجماعة، مؤكدين رفضهم لنصائحه بشأن تطبيق أي نوع من العلمانية، لأنهم يعتبرونها إلحادا في مصر. لكن ممثلي الجناح الإصلاحي، الذين اتخذوا من حزب العدالة والتنمية قدوة، اعتقدوا أن ذلك ربما يكون المخرج للبلاد.

تصريحات أردوغان لم تقتصر ردود فعلها على «الإخوان المسلمين» فقط، فالمفكرون الليبراليون والديمقراطيون الذين ربما يكونون قد أحجموا عن استخدام لغة مماثلة خشية مواجهة ردود فعل من «الإخوان المسلمين» شعروا بارتياح بعد تصريحات أردوغان بشأن تعريف وسط ومختلف للعلمانية.

كان موقف «الإخوان» مشابها لحركة النهضة في تونس.

وربما يكون من السخرية القول إن أردوغان، المعارض اللدود للعلمانية التقليدية في تركيا منذ ظهوره على الساحة السياسية، يقف الآن ليقدم نموذجا جديدا من العلمانية للربيع العربي الملبد بالغيوم.

ربما يكون ذلك هو السبب وراء تدافع المفكرين الإسلاميين والمتشددين في تركيا إلى توجيه انتقادات قوية إلى أردوغان، في الوقت الذي يحاول فيه المفكرون العلمانيون فهم ما إذا كانت تلك نظرية جديدة، كتفاحة نيوتن، سقطت على رأس أردوغان؟ وما الذي يحاول أن يفعله؟!

وربما كانت عينة من انتقادات الكتاب المحافظين في الصحافة التركية أمس تقدم لنا صورة واضحة عما يجري.

فيقول علي بولاك، مفكر إسلامي ويرتبط بصلات وثيقة بمفكرين في العالم الإسلامي من القاهرة إلى طهران في عموده في صحيفة «زمان»: إنه لا ينبغي على أردوغان أن يشارك في نشر «علمانية ما بعد الحقبة الكمالية» ـ في إشارة إلى العلمانية التقليدية، أو علمانية الثورة الفرنسية التي تبناها مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية. لكن بولاك سأل أردوغان بصورة غير مباشرة عما إذا كانت تركيا قد قبلت دورا في مشروع «علمنة الإسلام» لتسهيل دمج الشرق الأوسط في النظام العالمي تحت إرشاد حكام متدينين. كانت الإجابة الخفية تعني «لا». من ناحية أخرى، يرى ياسين أقطاي في صحيفة «يني صافاك» أن ما يرغب أردوغان في القيام به هو الترويج لعلمانية تختلف عن العلمانية الحالية في تركيا التي لا يقبلها كل المسلمين، ومن ثم فإن هذه الكلمات، التي لا تعني الكثير بالنسبة للمنطقة، يخاطب بها تركيا.

من جانبه، انتقد إبراهيم كيراس من صحيفة «ستار» رئيس الوزراء بالتشديد على أن تركيا لم تنته من النقاشات الخاصة بها بشأن العلمانية، ومن ثم فلن يكون من السهل بالنسبة له تفسير ذلك بالنسبة للعالم الإسلامي.

صحيح أن الرأي العام التركي، بمن فيهم مؤيدو أردوغان، لم يسمع منه مثل هذا الموقف الليبرالي بشأن العلمانية وشؤون الدولة الدينية في تركيا، لكن سمعه يؤيد الربيع العربي.

الحديث عن العلمانية الجديدة من أردوغان، في الوقت الراهن، يبدو مثيرا للنقاشات في كل من أوروبا والمنطقة.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية