الفلسطينيون مستعدون لكيان دولة

TT

القضية الأساسية المطروحة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع هي المطالبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. ولم يتم توجيه القدر نفسه من الاهتمام إلى تساؤل وثيق الصلة وليس بأقل أهمية ألا وهو: هل الفلسطينيون قادرون بحق على إدارة دولة؟

لقد كان هذا السؤال محور عمل لجنة الاتصال المخصصة لتنسيق المساعدات المقدمة للشعب الفلسطيني، لجنة الدول المانحة المدعمة للسلطة الفلسطينية، والتي ترأسها النرويج. وتعتبر اللجنة هي الساحة الوحيدة المنضم إلى عضويتها كل من السلطة الفلسطينية وحكومة إسرائيل، إلى جانب شركاء إقليميين، الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا و12 دولة رئيسية مقدمة للمساعدات.

وكانت منهجية اللجنة هي العمل بشكل وثيق مع رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، من أجل دعم خطته لإدخال إصلاحات على الاقتصاد الفلسطيني والمؤسسات الفلسطينية من خلال رؤية تقوم على إعداد الفلسطينيين للانتماء لدولة.

وكان جزء لا يتجزأ من منهجيتنا هو مراقبة مدى التقدم من خلال فرض رقابة من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة على الأداء الفلسطيني. وكان مطمح رئيس الوزراء فياض هو امتلاك عدد كاف من المؤسسات الحكومية بحلول سبتمبر (أيلول) 2011. ترى ما الذي حققته السلطة الفلسطينية من خلال التعاون مع لجنة المانحين الدوليين؟ وفي يوم الأحد الماضي، اجتمعت لجنة الاتصال الخاصة في نيويورك بهدف تقييم الموقف.

وبحسب تقييم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، نجحت السلطة الفلسطينية بشكل ملحوظ في بناء مؤسسات حكومية فلسطينية. ويؤكد البنك الدولي على أن المؤسسات الفلسطينية قد وصلت لمستوى أعلى من الحد الأدنى المحدد لدولة ناجحة في قطاعات سياسية مثل إدارة العائدات والنفقات والتنمية الاقتصادية وتقديم الخدمات والأمن والعدالة. وفي هذا السياق، حققت فلسطين إنجازات تفوق تلك التي حققتها العديد من الدول التي تتمتع بعضوية كاملة في الأمم المتحدة، كما أنها قد مرت باختبار ضغط اقتصادي أقوى مما مرت به العديد من الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وفي السنوات الأخيرة، تم محو الأمية بشكل شبه كامل في فلسطين. وارتفع مستوى الرعاية الصحية. هناك نظم تخطيط وحكم أساسية قائمة، مثل سلطة النقد الفلسطينية والمكتب المركزي للإحصاءات، والذي يعمل وفقا لمعايير المحاسبة الدولية للقطاع العام.

لقد باتت الضفة الغربية مكانا أكثر أمنا في ظل سيادة القانون، وذلك في الأساس بفضل إصلاحات الأمن والإصلاحات القضائية وتدريب قوات الأمن الفلسطينية والتعاون الفعال مع إسرائيل. ومن خلال دعم مشروع بناء الدولة، أسهم المانحون في تحقيق الأمن للفلسطينيين، وأيضا في تحقيق أمن إسرائيل.

لقد تم خفض عجز الميزانية بنسبة 60% على مدار أربع سنوات، من نسبة 27% لإجمالي الناتج المحلي في عام 2008 إلى نسبة 11% هذا العام. وقد تم تقليل الاعتماد على المعونات الأجنبية إلى النصف. وقد تضاعف حجم الإيرادات، المؤلفة بالأساس من ضرائب ورسوم جمركية تحصلها إسرائيل وتحول للسلطة الفلسطينية شهريا، خلال الفترة نفسها. وقد كان معدل النمو مرتفعا، مدفوعا بالإصلاح الهيكلي.

ووفقا للبنك الدولي، كانت العقبة الأساسية في طريق تحقيق مزيد من النمو هي القيود المادية والقانونية العديدة التي تفرضها السلطة المحتلة، إسرائيل.

إذن، ماذا عن غزة؟ يخضع قطاع غزة لسلطة حماس السياسية والعسكرية. ومع ذلك، فإن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل القانوني للشعب الفلسطيني بأكمله. فضلا عن ذلك، فإن السلطة الفلسطينية هي مزود الخدمات الأساسي لشعب غزة. ومنذ عام 2008، أنفقت السلطة الفلسطينية 4 مليارات دولار - أكثر من نصف قيمة المعونات الخارجية - على الرواتب الممنوحة للمدرسين والأطباء ولتغطية نفقات الكهرباء والماء في غزة.

ووفقا لصندوق النقد الدولي، تسيطر سلطة النقد الفلسطينية بشكل كامل على البنوك الخاصة في غزة، متحققة من تحويل الرواتب والمدفوعات، على نحو يخرج عن نطاق سيطرة حماس. وعلى الرغم من سيطرة حماس القمعية على قطاع غزة والهجمات الصاروخية الإرهابية غير المقبولة على إسرائيل، تتمكن السلطة الوطنية الفلسطينية من توصيل المساعدات الأساسية إلى معظم أفراد الشعب الفلسطيني.

من ثم، فالإجابة عن السؤال الذي طرحته في البداية - وهو ما إذا كان الفلسطينيون يمكنهم بالفعل إدارة دولة - هي نعم. من خلال إقامة مؤسسات قوية مدارة بشكل فعال، اتخذ الفلسطينيون والدول المانحة أسلوبا يتدرج من المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى في تحقيق عملية السلام. ولا يمكن تسوية قضايا الوضع النهائي - الحدود والأمن واللاجئين والقدس - إلا من خلال المفاوضات، والتي تعتبر مثالا لأسلوب يتدرج من المستوى الأعلى للمستوى الأدنى. وفي عالم مثالي، يجب المقاربة بين الأسلوبين. وللأسف، لم يحدث ذلك. وهذا هو أصل المأزق الفلسطيني - الإسرائيلي.

حينما تفكر الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في كيفية التصويت على القضية الفلسطينية، يجب أن تضع في حسبانها أنه لا يوجد حل يمكن أن يسوي قضايا الوضع النهائي. فقط المفاوضات الحقيقية الجادة هي التي يمكنها تحقيق ذلك. لكن العقبة الأساسية أمام الاعتراف بالدولة الفلسطينية هي الاحتلال. خلاف ذلك، بإمكان الفلسطينيين إدارة دولة.

* وزير خارجية النرويج ورئيس

لجنة الاتصالات لتنسيق المساعدات الدولية للسلطة الفلسطينية

* خدمة «نيويورك تايمز»