أنظمة متهالكة ومعارضة في مخاض!

TT

هناك مشكلة كبرى اسمها النظام العربي: مجموعة تحالفات عسكرية وقبلية واحتكارية تقاتل وتستقتل في سبيل إبقاء الحلقة القائمة منذ نصف قرن، وهذا التحالف العضوي بين تناقضات لا تلتقي إلا على الفريسة، تجذر حتى أصبحت مخاوفه وطموحاته عفوية وعضوية. وأصبحت له مفردات واحدة ومصطلحات واحدة ومساحيق واحدة، وخصوصا نظرة واحدة إلى استخدام العنف وازدراء الدماء والأرواح، وإلى النظر إلى الآخر، صامتا أو معترضا، على أنه فقد حقه في المواطنة وفي العيش وأيضا في الحياة. فهو «خارجي» معتد ولا ينتمي إلى الأرض: مندس، أو عصابة خارجة على القانون، أو متآمر، أو جراثيم وجرذان وكلاب ضالة. وعلى الرغم من الصراع الطويل والعنيف بين الجماهيرية والعراق وسوريا، فقد اتفقت على صفة واحدة لطالبي الحرية والتعبير الحر: الكلاب والعواء. ولم يبلغها أحد مبلغ العقيد والأنجال في القاموس السياسي: طز.

الوجه الآخر للمشكلة هو المعارضة: لا وجه لها ولا صورة، سوى صورة الدماء الحزين والمسفوك على أرض العرب. نحن نرى كل يوم جثثا ترفع من الشوارع، ونرى رجالا يضربون بالأحذية والسياط، ونسمع خطبا في ميدان التحرير، لكننا لا نسمع صوت معارضة موحدة في أي مكان. ولا نرى مجالس انتقالية متفقة. ومن حسن حظ ليبيا، ليس فقط الخلاص من زعيم الملايين، بل الصورة المتواضعة للشيخ مصطفى عبد الجليل، الذي تم العثور عليه منذ الأيام الأولى.

لكن ليس في ذلك حصانة كاملة. وما عدا ذلك ليس هناك معارضة موحدة في تونس أو مصر أو سوريا أو اليمن أو العراق. هناك فرق متفقة على تغيير الأنظمة وتفتقر إلى التنظيم، ولذا فالفريق القوي فيها هم «الإخوان». و«الإخوان» لهم عشرون خطابا وعشرون مرشحا رئاسيا. ولهم في تونس خطاب وفي مصر خطاب. وعندما توفي الراحل خالد عبد الناصر مشى في جنازته العسكر والمدنيون كأنما عثروا على ما يوحدهم، على الأقل في الصورة التذكارية، لكن خصوم عبد الناصر التقليديين امتنعوا عن الظهور.

تتهالك الأنظمة من دون بدائل واضحة أو حتى محتملة. وتضم المعارضة عشرات القوى الصغيرة بحيث يبقى «الإخوان» القوة الوحيدة. أو يبقى الجيش كبديل محتمل، كما في تونس ومصر وربما اليمن. والجيش يمثل نفسه وليس المعارضين ولا الثورات. وبين الوقت الذي يقوم فيه بالثورة والوقت الذي يضع فيه الثوب المدني، يكون كل شيء قد تعسكر.

كل يوم يقوم من يحذر من الفتنة. كأنما يوميات العرب من مذابح ومقاتل وتعذيب واعتقالات وقهر وظلم وخسائر وفرقة، هي مجرد افتتان. ونزهة في أحلام العرب!