سؤال وجواب بين ذكي وغبي

TT

هو إنسان لا أعرفه ولا يعرفني، التقيت به صدفة في مناسبة خاصة، لا أريد أن أذكرها لكم أين، ولا من كان فيها، وعلى أي صفة كانت، ولكن لفت نظري في ذلك الإنسان عدة أشياء منها: حسن هندامه، ووسامته، وثقافته، وجرأته، وطلاقة لسانه التي أحسده عليها.

فأخذت أستمع له بكل جوارحي مشدوها، والواقع أنه استأثر من دون مبالغة بـ(80) من الحديث في تلك الليلة البهيجة في بدايتها والكئيبة في آخرها.

وأتذكر من أقواله الحكيمة تلك التعريفات الصائبة منها مثلا عندما قال:

هل تدرون ما هي (النصيحة)؟!

لم يرد عليه أحد من الحاضرين، والوحيد الذي رد عليه هو أنا عندما سألته: ما هي؟!

قال: هي أرخص نقد متداول.

ثم دار ببصره على الحضور قائلا: هل تدرون ما هي (الضيافة)؟! فسألته أيضا: ما هي؟!

فقال: إنها فضيلة تغرينا أن نطعم ونؤي من الناس من ليس محتاجا إلى الطعام أو مأوى، عندها (زلقت) من لساني جملة ندمت عليها فيما بعد، وذلك عندما رددت عليه قائلا: مثل مضيفنا هذه الليلة عندما عزمنا نحن الآن.

لم يضحك من جوابي أحد، ولكنني لاحظت الامتعاض الذي بدأت ملامحه تتضح على وجه صاحب الدار، غير أنني أردت أن أخفي (بياختي) بقهقهات مفتعلة ليس لها داع.

وهذه القهقهات التي كانت بكل صدق تشبه نقيق الضفدع هي ما لفتت نظر ذلك الإنسان الذكي الذي من الصعب أن تخفى عليه خافية، عندها استدار بكرسيه ووجه نظراته لي وسألني عن اسمي، وعندما أجبته، افتر ثغره دون أن تظهر أسنانه مبتسما بتهكم وهو يقول: آه، أنت مشعل الذي يكتب في جريدة «الشرق الأوسط»؟! أجبته: نعم طال عمرك، عندها سألني قائلا:

هل تعرف ماذا قالت (بنت الحايك لأبوها)؟! أجبته ببراءة: لا مع الأسف، قال: أحسن إنك ما تعرف، ويا ليته سكت عند ذلك، ولكنه أردف قائلا: صدق من قال: سماعك بالمعيد خير من أن تراه، وهذه الجملة الأخيرة فهمتها، عندها انكمشت في مقعدي مثلما ينكمش القنفذ.

وبدأ (أخينا) بالله يسترسل بكلامه وحكمه، ولكنه هذه المرة كان يتكلم وعينه في عيني وكأن ليس في المجلس غيري وغيره، وسألني: هل تعرف أيها الفصيح ما هي (التربية)؟ لم أجب عليه بالكلام، ولكنني فقط هززت رأسي ورفعت أكتافي و(قنبرت) بشفايفي علامة أنني لا أعرف.

فقال: إنها هي ما يكشف للعاقل ويخفي على الجاهل قلة إدراكه، هل فهمت يا (.......)؟!

ولم يتركني حتى أبلع ريقي عندما وجه لي سؤاله الأخير وكأنه يوجه لي (الضربة القاضية) وذلك عندما قال لي: هل تدري من هو (الجبان) يا غضنفر؟! فرفعت له حواجبي مع تحريك يدي علامة أنني لا أعرف.

قال: هو الذي إذا نزل بساحة خطر داهم كان عقله في رجليه مثلك.

والحمد لله أن صاحب الدار أنقذني عندما قال لنا: تفضلوا على العشاء.

[email protected]