1974 - 2011

TT

لا تحب أميركا الأمم المتحدة. ولا تحبها إسرائيل. الأولى تحتاجها أحيانا لتغطية حرب ما، وتحرج بها طوال الوقت. والثانية تكرهها لأنها الشاهد القانوني الوحيد عليها منذ 1949. اغتال الإسرائيليون الكونت برنادوت، أول وسيط دولي في فلسطين، وتجاهلوا جميع الوسطاء الآخرين وكل القرارات. ورأى العرب أن الأمم المتحدة هي الساحة الوحيدة التي يمكن التغلب فيها على الغصب الإسرائيلي وحمايته الأميركية. ومع أن واشنطن كانت تستخدم الفيتو في مجلس الأمن، فقد بقيت الجمعية العمومية واللجان الفرعية منبرا أخلاقيا ودوليا ضد العجرفة الثنائية الدائمة. حاول كثيرون من العرب أن يشككوا في أهمية المنظمة كما في أهمية الجامعة العربية. ووقفت حماس في هذا الجانب متلاقية، طبعا بغير قصد، مع أميركا وإسرائيل، كما هو الحال الآن في موضوع الدولة. وكلما شنت إسرائيل عدوانا جديدا على غزة هرعت حماس إلى المنظمة الدولية والقانون الدولي. وتدعو إيران إلى إلغاء المنظمة من الوجود ثم يكون محمود أحمدي نجاد أول الواصلين. محمود عباس شخصية مختلفة تماما عن ياسر عرفات. لا يرتدي طقم القتال الزيتي، ولا يضع كوفية تمثل خريطة فلسطين، ولا يحمل إلى خصره مسدسا. ولكن أبو مازن ذكرنا بيوم جاء أبو عمار إلى نيويورك عام 1974 في عاصفة سياسية دبلوماسية إعلامية فتحت أبواب التاريخ أمام منظمة التحرير. وبرغم الهدوء وربطة العنق والشعر الأبيض وغياب المسدس، يبدو أن خطوة أبو مازن سوف تترك أثرا مشابها. مرة أخرى تجد أميركا نفسها إلى جانب إسرائيل في مواجهة العالم أجمع. ومرة أخرى يجد العالم نفسه أمام دولة محتلة ترفض أن تعلن حدودها وأمام دولة مشردة تريد أن تعلن نفسها. ومرة أخرى يرى الأميركيون، في قلب نيويورك، أن الرئيس الذي انتخبوه إعلانا لنهاية العصر العنصري، عاجز عن مجاراة الدول التائهة في المحيطات، في الاعتراف بهوية رسمية لشعب احتلت أرضه واحتلت هويته ونهب ماضيه وأهين حاضره واعتدي على حلمه بالمستقبل.

يشعر المرء بالذل الكوني الذي يخامر شعوب الأرض، وهو يرى باراك أوباما في حلف واحد مع بنيامين نتنياهو ضد كبار وصغار قوى العالم. لن تخرج أميركا من التاريخ بسبب هذه الخطوة، لكن باراك أوباما سيخرج من أرض الأحلام وآمال الضعفاء. وسوف يخرج من كتب الشجاعة التي وضعها، وخصوصا من ذلك الخطاب الذي ذهب إلى القاهرة لإلقائه. لا يقارن ضعف رئيس فلسطين بقوة رئيس أميركا. لكن غدا سوف يكتب أن رئيس أميركا اختار، عند مفترق السلام، الوقوف إلى جانب نتنياهو وليبرمان. وضد الأمم المتحدة التي دعت أميركا إلى إنشائها من أجل دعم مظالم الشعوب.