التعب لا شريك له!

TT

أنت مهمل في حق نفسك وأنا أيضا! فكلنا يتعب، ولسنا قادرين على الراحة، ولكن من الضروري أن تستريح.. أن تمدد رجليك ويديك وتنثر همومك حولك وتتركها تجف أو تتلاشي، وليست هذه هي الراحة أيضا!

وأستاذ التعب واللعب والراحة هو الطفل، إن «ظلطة» ملقاة على الأرض تثير انتباهه وشهيته تماما كما تثيرنا سفينة فضاء هبطت فجأة!

ولا بد أن أفكارا سخيفة هي التي تعوقنا عن الراحة، أو عن طلب الراحة.. فنحن - مثلا - لا نتصور أن أي وزير أو رئيس دولة يرقص في مكان عام، ولا أن يسبح في النيل أو البحر أو يلعب الكرة، أو البِلْي، لماذا؟ نحن لا نتصور أن هذا يليق به أو بنا، ولماذا؟ لا نناقش أنفسنا في ذلك، وننسى في الوقت نفسه أن الراحة ليست مسألة تليق أو لا تليق.. إنها كالنوم؛ ضرورية.. إن الصحف عندنا كثيرا ما نشرت صورة لوزير أو رئيس وزراء في أوروبا وهو يرقص مع زوجته، بكثير من الاستخفاف، وكثيرا ما نشرنا صورا لزعماء العالم وهم يصيدون السمك أو يركبون الخيل بالرغبة نفسها في أن نضحك عليهم، مع أن الموقف لا يضحك أبدا، لأن ضرورة الراحة، كضرورة الطعام، لا تبعث على الضحك أو على السخرية، ولكننا وقعنا أسرى لقيودنا وأفكارنا السخيفة التي لم نناقشها ونطردها من رؤوسنا، ويبدو أن هذا لن يحدث قبل وقت طويل..

وهذا ظلم لنا في الدرجة الأولى، والدليل على ذلك، أننا ما زلنا نخجل من «لعبة» كرة القدم، التي هي ضرورة نفسية وجسمية واجتماعية، والتي تتولى تصفية التعب عند ملايين الناس.. تشدهم وترخيهم وتصدمهم وتوقظهم وتنعشهم وتنفض الهموم من فوقهم وتغسلهم.. وكل ذلك ضروري لكي يهدأ الناس ويتجهوا إلى شيء جديد. إن سوء الفهم وسوء التقدير هو الذي جعلنا ننظر إلى الرياضة على أنها «لعب» وعبث، مع أنها ليست كذلك.. إنها ضرورة حيوية، لأن الراحة ضرورة، والمتعة ضرورة، والتعب ضرورة، والإصرار على عدم الراحة جريمة في حق أنفسنا وشعوبنا!

ولن أتعب من تكرار هذه المعاني لنفسي ولغيري، فأنا وغيري أحوج إلى الراحة لأننا نتعب ونتعذب ونعرق ونبكي أيضا، ويجب أن نشجع غيرنا على أن يجرجرونا إلى الراحة بالقوة، تماما كما يفعل الطبيب مع المريض، وكما تفعل الأم مع طفلها الصغير الذي يذهب إلى المدرسة لأول مرة!

والناس لا يعطفون على التعبان، وإنما يعطفون على المريض وينسون أن التعب يؤدي إلى المرض.. مرض الجسم ومرض النفس!