اتفاقي مع السيد ساركوزي

TT

يوم الأربعاء الماضي دعت وحدة الدراسات الأميركية في جامعة الكويت إلى ندوة عامة حول نتائج الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001 وتداعياتها الكبرى على العالم والعالم العربي بعد عقد من السنين. كنت أحد متحدثي تلك الندوة. وتطرق الأمر إلى ما إذا كان ثمة تفسير عقلاني لدوافع تنظيم القاعدة وقتها، لفعل ما فعل، من قتل الناس الأبرياء، وإدخال العالم في شبه فوضى، أعقبتها حروب تركت على أثرها قتلى ربما بالملايين، وخسارة مادية فادحة فاقت التريليونات من الدولارات وسممت الأجواء السياسية الدولية.

وقتها - في مطلع العقد الماضي - كان هناك سببان احتضنهما العقل العربي العام، لما فعلته «القاعدة»، على الأقل من وجهة نظر الشارع؛ السبب الأول أن هناك انطباعا بأن الولايات المتحدة تؤيد استمرار الحكومات الديكتاتورية في المنطقة، ليس بسبب أن «القاعدة» تريد تغييرها إلى حكومات ديمقراطية، ولكن كان الأمل من «القاعدة» أن تغيرها إلى حكومات ربما أكثر شمولية مما هو قائم، تكون على مقاسها. إلا أن الهدف الثاني الذي جذب الجمهور العربي خلفه زرافات، هو الموقف المعادي – دون سبب مقنع – من وجهة نظر الجمهور العربي، لطموحات إنسانية وقانونية للشعب الفلسطيني، من جانب الإدارات الأميركية، كونه موقفا غير أخلاقي وغير مبرر.

ربما هذا الأمر الأخير الذي كان ولا يزال المُجمع عليه لدى قطاع واسع من الجمهور العربي، وهو الوضع المزري للفلسطينيين ومعاملتهم من الاحتلال غير الإنسانية التي تعرض على شاشات العالم يوما بعد آخر، ورفض الولايات المتحدة، مهما كانت التضحيات التي يقدمها الإنسان الفلسطيني، الاعتراف بحقه كإنسان، يرغب في العيش في دولة تخصه في هذا العالم، والوقوف الأميركي الدائم مع الرغبة الإسرائيلية في طمس تلك الحقوق وتجاوزها، هو الذي يثير أي إنسان يحمل شيئا من الشعور الإنساني السوي.

ربما هذا المنحى بالذات (الموضوع الفلسطيني) هو الذي جعل كثيرا من العرب وقتها في عام 2001، يعتقدون أن بن لادن بطل، كما ظهر في تحقيقات الصحف التي نشرت وقتذاك.

مر على أحداث الحادي عشر من سبتمبر عقد كامل، نشبت فيه حروب ضروس، وصرفت فيه أموال طائلة، أربكت الاقتصاد العالمي، وما زالت، وتم فيه احتلال دول وإثناء أنظمة وحكومات، وارتكبت فيه حماقات. وفي النهاية أدانت الإدارة الأميركية الحالية، إدارة باراك أوباما، ما قامت به إدارة بوش أو بعضه، في بعض المواقع وبعض السياسات، وخاصة تلك المتعلقة بفلسطين.

وبشرنا السيد باراك أوباما في خطبه وبياناته السياسية المتعاقبة، بأن هناك عصرا جديدا، هو عصر الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية، قد أزف، وأن عصر العدالة الإنسانية الذي يمتص التعصب ويزجر الصلف قد دنا.

إلا أنه تبين العكس، فأمر بسيط للغاية، هو قبول فلسطين في الأمم المتحدة كدولة، دونه خرط القتاد، أي صعوبات كأداء، أنهت وعود إدارة أوباما - بسبب الضغوط - فغيرت رأيها الأول، عائدة من جديد إلى السياسة الإقصائية التي لا تهمش فلسطين فقط، بل تغضب العرب والشعوب المحبة للسلام، إنه صلف يثير مشاعر عشرات الملايين في الشارع العربي.

ليس المهم ما فات، المهم ما سوف يأتي، هنا ألتقي مع تحليل السيد ساركوزي، حيث كان رأيي في الندوة المذكورة، أن موجة من العداء الشعبي للولايات المتحدة سوف تنطلق مجددا من قبل الجمهور العربي، كونها تقف بصلف في وجه طلب طبيعي وقانوني للفلسطينيين، وهو ما كرر قريبا منه السيد ساركوزي، حيث حذر ليل الخميس الماضي من أن الوقوف أمام رغبة شرعية للفلسطينيين في الانضمام السلمي للعائلة الدولية، سوف يطلق موجة عداء، ويشعل نارا لم تكد تهدأ، وهو قول معقول ومحتمل أيضا.

إذا كان الفعل الإرهابي في عام 2001 الذي تصاعدت الإدانة له حتى من الجمهور العربي تدريجيا، هو فعل غير مقبول، فما هو المقبول؟

طبيعيا الإجابة عن هذا السؤال تقول، إن السير في اتجاه الشرعية الدولية والمطالبة السلمية بالحقوق، هو المقبول عالميا. وهكذا كان، فقررت منظمة التحرير أن تسير في هذا الطريق الشرعي المقبول عالميا. وتهدد الولايات المتحدة اليوم بقفل هذا الباب الشرعي، بل إن السيد أوباما وفي خطابه أمام الجمعية العامة الأسبوع الماضي، أكمل كلماته السابقة، التي وعد بها في تحقيق وجود دولتين، فلسطين وإسرائيل جنبا إلى جنب، وقال للفلسطينيين عليكم بالذهاب إلى السيد نتنياهو للتفاهم معه!

الصورة التي بثت للسيد محمود عباس وهو جالس في مقعده في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والسيد أوباما يلقي خطابه، مطرقا وواضعا رأسه، بشعره الأبيض، بين كفيه، تلخص المأزق الذي تضع أميركا في خانته الأصوات المعتدلة في هذا العالم. ومن دون «ويكيليكس» ومن دون تقارير سرية من سفاراتها، ذلك الموقف وتلك الإطراقة من محمود عباس وهذا الطريق المسدود الذي تقف أميركا حارسا لعدم اختراقه، سوف تجعل البعض يفكر ثانية، ويسأل السؤال التقليدي ما العمل؟

إنه مأزق توفره الظروف الموضوعية، وهي أن السادة في الحزب الديمقراطي الأميركي أمامهم مأزقان، الأول اقتصادي، والثاني انتخابات رئاسية تقترب، وهناك قوة من الأقلية الأميركية المنظمة (الصهيونيين ذوي التأثير الطاغي على سير الانتخابات) لا بد من الطاعة التامة لما يريدون. وليذهب طموح شعب وتضحيات أجيال، وأمل منطقة بكاملها تشهد اضطرابات هائلة، ليذهب كل ذلك أدراج الرياح، ليس من أجل تحقيق هدف الدولة الفلسطينية المرتجاة، بل من أجل مقعد واحد في الأمم المتحدة، كبقية شعوب العالم، ثم يتحدثون عن العقل والروية!

آخر الكلام

الحقد السام الذي يظهر في الديمقراطيات الغربية بان بوضوح عندما نشر الرئيس التنفيذي لمقاهي «ستار بكس» إعلانا على حسابه الخاص، يحث فيه المواطنين الأميركان على عدم التبرع لأي من الحزبين، حتى يتعاونوا، فقد أخذهم التعصب الحزبي إلى تجاهل مصالح الملايين من الناس!