السلام الآن أو لا سلام أبدا

TT

مع بدء افتتاح دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، أشعر بعدم الارتياح. فهناك صدام غير ضروري على الصعيد الدبلوماسي بين إسرائيل والفلسطينيين يتجلى في نيويورك، وسيضر هذا الاشتباك بإسرائيل وبمستقبل الشرق الأوسط.

أعلم أن الأمور كان من الممكن أن تكون مختلفة، بل كان ينبغي لها أن تكون كذلك.

وأعتقد حقا أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لضمان شرق أوسط أكثر استقرارا ومنح إسرائيل الأمن والرفاهية التي تريدها.

ومع ازدياد التوترات، لا يسعني إلا أن أشعر بأننا في المنطقة على وشك إضاعة فرصة مهمة، لا تعوض.

يخطط الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لتقديم طلب أحادي الجانب بالاعتراف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة اليوم (أمس) الجمعة. وهو لديه الحق في القيام بذلك، والغالبية العظمى من الدول في الجمعية العامة تدعم موقفه. ولكن ليست هذه هي الخطوة الأكثر حكمة التي يمكن أن يتخذها عباس.

لقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن ثقته بحل الدولتين، لكنه يكرس كل جهوده السياسية لعرقلة محاولة عباس لإقامة دولة فلسطينية، عن طريق حشد الدعم المحلي ومحاولة كسب تأييد البلدان الأخرى. وليست هذه هي الخطوة الأكثر حكمة التي يمكن أن يتخذها نتنياهو.

ففي أسوأ الحالات، يمكن أن تنشب حالة من الفوضى والعنف، مما يزيد من صعوبة التوصل إلى اتفاق، إن لم يجعل ذلك أمرا مستحيلا. وإذا ما حدث ذلك، فلن يكون السلام بالتأكيد هو النتيجة المتوقعة.

الشروط الواجب توافرها للتوصل إلى اتفاق سلام معروفة جيدا للجميع، وسبق أن تم طرحها على طاولة المفاوضات. لقد قمت بطرحها بنفسي في سبتمبر (أيلول) 2008، عندما قدمت عرضا بعيد المدى لعباس.

ووفقا للعرض الذي قدمته، يتم حل النزاع الإقليمي من خلال إقامة دولة فلسطينية على أراض تعادل في حجمها أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة قبل عام 1967، بناء على اتفاق متبادل لمقايضة الأراضي يأخذ بعين الاعتبار الحقائق الجديدة على الأرض.

وسيتم تقاسم مدينة القدس. ستكون المناطق اليهودية عاصمة لإسرائيل، بينما ستصبح الأحياء العربية عاصمة للدولة الفلسطينية. ولن تكون لأي من الطرفين سيادة على الأماكن المقدسة في المدينة، حيث ستتم إدارتها بشكل مشترك بمساعدة الأردن والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.

وسيتم تناول مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ضمن إطار مبادرة السلام العربية لعام 2002. وستصبح الدولة الفلسطينية الجديدة موطنا لجميع اللاجئين الفلسطينيين مثلما أن دولة إسرائيل وطن للشعب اليهودي. وعلى الرغم من ذلك، فإن إسرائيل ستكون على استعداد لاستيعاب عدد صغير من اللاجئين على الصعيد الإنساني.

ولأن ضمان أمن إسرائيل هو أمر حيوي لتنفيذ أي اتفاق، ستكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، ولن تشكل تحالفات عسكرية مع دول أخرى. وستتعاون كلتا الدولتين معا لمحاربة الإرهاب والعنف.

لم يرفض عباس هذه الشروط بشكل رسمي، وينبغي أن تطرح اليوم على طاولة المفاوضات مرة أخرى. وحينها، يتعين على كل من عباس ونتنياهو اتخاذ قرارات شجاعة وصعبة.

ولا نملك نحن الإسرائيليين، ببساطة، ترف إضاعة المزيد من الوقت في تأجيل الحل. ولن يؤدي المزيد من التأخير إلا إلى مساعدة المتطرفين من كلا الجانبين، الذين يسعون لتقويض أي أمل في التوصل إلى حل تفاوضي سلمي لدولتين.

وعلاوة على ذلك، فقد غير «الربيع العربي» الشرق الأوسط، ومن ثم، من الممكن بسهولة شديدة أن يؤدي حدوث أي تطورات غير متوقعة في المنطقة، مثل الهجوم الأخير على السفارة الإسرائيلية في القاهرة، إلى حالة من الفوضى على نطاق واسع. ولذلك فمن مصلحة إسرائيل الاستراتيجية تعزيز اتفاقات السلام القائمة مع جيرانها، مصر والأردن.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن على إسرائيل أن تبذل كل جهد ممكن لنزع فتيل التوتر مع تركيا في أقرب وقت ممكن. فتركيا ليست عدوا لإسرائيل. لقد عملت بشكل وثيق مع رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، وعلى الرغم من تصريحاته وتحركاته الأخيرة، فإنني أعتقد أنه يدرك أهمية العلاقات مع إسرائيل. ولذا، يجب أن يعمل أردوغان ونتنياهو على الفور من أجل إنهاء هذه الأزمة، تحقيقا لمصلحة البلدين والاستقرار في المنطقة.

ونحن في إسرائيل نأسف للخسائر في الأرواح بين المواطنين الأتراك في مايو (أيار) 2010، عندما واجهت إسرائيل أسطولا استفزازيا من السفن المتجهة إلى غزة. وأنا واثق من أنه يمكن العثور على طريقة صحيحة للتعبير عن هذه المشاعر للحكومة التركية والشعب التركي.

لقد حان الوقت لضرورة وجود قيادة حقيقية. ولا تقاس القيادة الحقيقية بقدرة المرء على البقاء على المستوى السياسي، وإنما بقدرته على اتخاذ القرارات الصعبة في الأوقات العصيبة.

وعندما كنت أخطب في المحافل الدولية بصفتي رئيسا للوزراء، كان الشعب الإسرائيلي يتوقع مني تقديم مبادرات سياسية جريئة من شأنها أن تجلب السلام، ولم يكن يتوقع مني تقديم الحجج التي تؤكد على أن تحقيق السلام الآن غير ممكن. ومثل هذه المبادرة ضرورية اليوم أكثر من أي وقت مضى، لكي نثبت للعالم أن إسرائيل دولة تسعى للسلام.

إن الوقت المتاح لانتهاز هذه الفرصة محدود، ولن تجد إسرائيل نفسها دائما جالسة على طاولة المفاوضات قبالة قادة فلسطينيين، مثل عباس، ورئيس الوزراء، سلام فياض، يحاربون الإرهاب ويسعون لتحقيق السلام. وفي الواقع، من الممكن أن يتخلى القادة الفلسطينيون في المستقبل عن فكرة الدولتين وأن يسعوا إلى حل الدولة الواحدة، مما يجعل تحقيق المصالحة أمرا مستحيلا.

والوقت المناسب هو الآن. ولن يكون هناك وقت أفضل منه. وآمل بأن يتمكن نتنياهو وعباس من مواجهة التحدي.

* رئيس وزراء إسرائيل السابق من 2006 إلى 2009

* خدمة «نيويورك تايمز»