فلسطين.. الحق المشروع

TT

لم يكن أشد المتفائلين يتوقع أن يبارك الرئيس الأميركي باراك أوباما خطوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتقديم طلب عضوية فلسطين لكي تصبح دولة رسمية ومعترفا بها اعترافا كاملا في الأمم المتحدة، وحدث ما كان منتظرا ومتوقعا، ورفض أوباما وتلاه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الفكرة، وذلك في خطابيهما. وغريب ومتناقض ومليء بالازدواجية والنفاق موقف الزعيمين هذا، فبينما يمجدان ويدعمان ويؤيدان الثورات العربية المطالبة بحقوق الشعوب وكرامتها، يقفان أمام مطلب قديم وعادل للشعب الوحيد في العالم اليوم الذي يقبع تحت براثن الاحتلال الصهيوني المذل.

والفلسطينيون تمكنوا من الحصول على اعتراف من 130 دولة من دول العالم بدولتهم وبقضيتهم، وبات مطلبهم مسألة أخلاقية لا يجادل فيها أي صاحب ضمير، ولكن تبقى مسألة دعم الدول الغربية لإسرائيل هي الخطيئة الأخلاقية الكبرى للغرب والتي تتعطل فيها لغة الدساتير ومبادئ الحقوق وقيم الحريات وأسس الكرامة.

إسرائيل دولة مارقة بامتياز، اعتدت على أراضي الغير واحتلتها، وتساوم على ما هو ليس ملكا لها.. خالفت القوانين والأنظمة الدولية، واعتدت على قرارات أممية ولم تحترمها، وسلطت عتادها وسلاحها للاعتداء على الأبرياء والعزل ولم تكن يوما داعية للسلام ولا مقتنعة به، وشجعها على ذلك مجتمع وأنظمة في الغرب تدعمها بلا حدود سوقتها وروجت لها على أنها «الديمقراطية» الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط لفترة طويلة من الزمن، وهذا ليس إلا هراء عظيما، فلا يمكن أبدا الاقتناع بأن دولة تعلن نفسها أنها دولة يهودية حصرا، وبالتالي يكون مواطنوها المسلمون والمسيحيون والدروز والبهائيون تلقائيا من الدرجة الثانية، ليست لهم نفس الحقوق ولا المزايا التي يتمتع بها المواطن اليهودي، وهذا الوضع لا يمكن أن يطلق عليه «دولة ديمقراطية» مهما كان الخيال واسعا والمجاملة كبيرة، وبالتالي خيارات بقاء الوضع كما هو عليه تبقى مسألة غير متوقعة في ظل ازدياد الحراك الشعبي الهائل الحاصل في كل المناطق المحيطة بالأراضي الفلسطينية، والذي سيصل حتما مداه في الداخل الفلسطيني نفسه ليواجه سلطة إسرائيل المحتلة.

الغرب بمواقفه غير العادلة هذه يزيد من حجم فقدان الثقة الموجود بينه وبين العالم العربي، في ظل انحيازه الأعمى والمستمر، والذي لا يراعي فيه «الحقوق» العادلة للشعب الفلسطيني والتي يتأذى من أجلها منذ عقود طويلة ونالتها شعوب أخرى في لمح البصر، مثل تيمور الشرقية والبوسنة والهرسك وكوسوفو والسودان الجنوبي وغيرها، ومع ذلك تبقى معضلة الاعتراف بالدولة الفلسطينية أسيرة قوى الضغط اليهودية المسيطرة على آلية صناعة القرار في دوائر السياسة الغربية.

في السبعينات الميلادية من القرن الماضي جاء ياسر عرفات إلى نيويورك ليلقي في الأمم المتحدة خطابه الأشهر، حين نادى وناشد العالم ألا يُسقط غصن الزيتون من يده، ولكن مضت عقود من الزمان ولا يزال حرمان الفلسطينيين من وطنهم قائما، بل على العكس تماما تم تمكين إسرائيل من توسيع سياساتها الاستعمارية الشيطانية لتستحوذ على المزيد من الأراضي بدعم من حكوماتها غير الجادة في موضوع السلام، والتي كانت تعتمد على سياسة «تمييع» الموضوع الرئيسي لأجل تغيير الأمر على أرض الواقع، وهذا لعمري كذبة من الأكاذيب الكبرى.

سقطت الأنظمة التي كانت تتغنى بالدفاع عن القضية الفلسطينية، وكانت تبطش بشعوبها تحت هذا الشعار، وباتت الشعوب هي التي في الواجهة، ولن تكون الجولة القادمة بالنسبة لإسرائيل مع أنظمة فاسدة تستطيع خداعها، ولكن مع شعوب ثائرة ترغب في كرامتها وحريتها، وحتما سيأتي أثر الربيع العربي على فلسطين، ورفض الغرب للحق الشرعي في الاعتراف بدولة فلسطين كحق لها وكمسألة أخلاقية بامتياز سيعجل من وصول نسائم الربيع العربي لفلسطين.

[email protected]