الضفة.. والقطاع

TT

هذه الحياة مليئة بالبديهيات والأولويات والأشياء المفروغ منها. كأن تكون، مثلا، مع الرغيف والدواء والكتاب والأمن لجميع الناس. كأن تعتبر منع المساعدات عن جائعي الصومال همجية وحشية لا تقوى. كأن تعتبر أن من حقوقك الأولى كبشري أن يكون لديك دولة ومؤسسات وقانون ومدارس ومستشفيات ورجال أمن.

هذا ما سعى إليه محمود عباس، وهذا ما عمل عليه سلام فياض. ويقول وزير خارجية النرويج، يوناس غار ستور، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي: إن ما حققته السلطة لكي تستحق شروط الدولة كان ممتازا. ويقول البنك الدولي: إن السلطة أثبتت نجاحها في تجارب ومحن اقتصادية أكثر من بعض أعضاء الوحدة الأوروبية: الأمية مُحيت تماما، الضمان الصحي ممتاز، المؤسسات الحكومية حققت مستويات عالية.

الأمن وحكم القانون والقضاء في الضفة أفضل بكثير من عدد من الدول العربية، العجز في الموازنة انخفض 60% خلال 4 سنوات. الاعتماد على المساعدات الخارجية خفض إلى النصف. النمو مطرد على الرغم من عوائق الاحتلال. فإن السلطة صرفت 4 مليارات دولار في غزة منذ عام 2008، أي نصف ما تلقته من مساعدات خارجية، على الكهرباء والماء ورواتب المدرسين والأطباء.

ماذا عن حماس؟ كلما كتبنا كلمة عنها، قيل لنا: لا ترون شيئا حسنا في غزة. بلى، فماذا أفضل من أن تقف حماس ضد الدولة الفلسطينية؟ وماذا أفضل من تحقيق أدنى مستويات الفقر؟ وماذا أروع من أن تصالح السلطة 20 مرة ولا تصافحها مرة؟ وماذا أفضل من أن يلقي إسماعيل هنية خطابا عن مصالحة مكة يستمر 40 دقيقة بينما لا تدوم المصالحة نفسها 30 دقيقة؟

إذا كانت حماس تريد أن ترفض حقا، يفترض أن ترفض كل شيء. وإذا كانت تعتقد بجدوى سياساتها فعليها أن تؤمن الرغيف والطبابة والعمل، وعليها أن تحمي الناس من البلطجة، وعليها أن تنافس مستويات التعليم والحياة في الضفة.

لقد أخذت حماس غزة وذهبت بها، لكنها تعود دائما إلى السلطة لأخذ الرواتب والمساعدات. وفي الماضي كانت تشكو من خناق الحصار، فلم يعد هناك حصار الآن، فماذا الذي تغير عمليا على حياة الغزاويين؟ لقد أثبتت فتح أنها نقلت الفلسطينيين إلى الإنجاز، في الشهادة وفي الدبلوماسية. هي التي أوجدت فلسطين بين العرب، وهي التي فرضتها على العالم، قد أرضت «الجبهة الشعبية» مشاعر كثيرة وعواطف كثيرة، لكن الجميع تعب قبل الوصول إلى العتبة.

الذي يقف في مواجهة أميركا وإسرائيل اليوم رجل هادئ لا يجيد الكتابة ولا التعابير الصعبة مثل الأخ نايف حواتمة ولا الخطابة مثل إسماعيل هنية، لكنه بالتأكيد أكثر مَن «هز بدن» إسرائيل. ثمة طرق أخرى للوصول، ليس بينها وضع صورة جورج بوش الأب على ممسحة باب فندق الرشيد، ولا ضرب جورج بوش الفارغ بالحذاء: فردتا الشمال واليمين. هناك شيء آخر، يدعى العمل.