العمل وفق استراتيجية أو بدونها

TT

عندما حلقت مغنية البوب الأميركية الشهيرة بريتني سبيرز شعرها سأل الصحافيون مدير أعمالها: «هل كانت بريتني تخطط لذلك منذ فترة، أم أنها قامت بذلك بصورة ارتجالية؟»، وقد أجاب المدير: «أوه لا! بريتني لا تعمل وفق استراتيجية».

وفي أعقاب رد فعل تركيا في الآونة الأخيرة تجاه إسرائيل، رأت بعض الدوائر أن تركيا لا تعمل وفق استراتيجية معينة هي الأخرى. فهم يرون التدابير التركية على أنها تدابير تكتيكية لا استراتيجية تم اتخاذها بـ«صورة مرتجلة»، حيث يتعرض مبدأ حكومة حزب العدالة والتنمية الشهير «تصفير المشاكل مع الجيران» لانتقادات شديدة لافتقاره إلى الرؤية الاستراتيجية، تماما مثل بريتني.

ولكن على العكس تماما، تكشف السياسة الخارجية التركية عن استراتيجية مدروسة ومصممة جيدا. ففي اليوم نفسه الذي أعلن فيه داود أوغلو، وزير الخارجية التركي، اتخاذ تدابير ضد إسرائيل، أعلن أيضا أنه سيتم نشر نظام رادار الإنذار المبكر لحلف شمال الأطلسي في تركيا. وفي اليوم الأول لإعلان أردوغان عن «جولة الربيع العربي» وقع المسؤولون الأتراك والأميركيون مذكرة بشأن نشر محطة الرادار هذه على الأراضي التركية. والأهم من ذلك، أن أردوغان قد شدد خلال كل محطة من المحطات الثلاث لجولته - القاهرة وتونس وليبيا - على أهمية العلمانية، ودعا الدول العربية إلى تبني العلمانية على غرار النموذج التركي. كما التقى مع كبار الشخصيات المسيحية القبطية في مصر، بعد يوم واحد من تحذير هيلاري كلينتون أن الربيع العربي قد خلق «تهديدات جديدة» للأقليات الدينية في المنطقة.

وتشهد جميع هذه التحركات بوجود استراتيجية شاملة. حيث تجري تركيا سياستها الخارجية في شكل متوازن بين دورها القيادي الإقليمي المتزايد وتحالفها الاستراتيجي مع الغرب. فهي تسعى لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة بقدر ما تسعى لتحقيق مصالحها مع الغرب. ويشكل مبدأ «تصفير المشاكل مع الجيران» حجر الزاوية الرئيسي لهذه الاستراتيجية الكبرى. وقد خاطب أردوغان العالم، من خلال خطاب النصر الذي ألقاه مباشرة بعد الانتخابات العامة في يونيو (حزيران)، كقائد شرق أوسطي. فبعد أن قام بتحية «جميع الدول الصديقة والشقيقة من بغداد ودمشق وبيروت والقاهرة وسراييفو وباكو ونيقوسيا» أعقب ذلك بقوله: «لقد فازت بيروت بقدر ما فازت أزمير، كما فازت الضفة الغربية وغزة ورام الله والقدس بقدر ما فازت ديار بكر». وخلال جولته الأخيرة، ألم يكن يبدو أن مصر وتونس وليبيا قد شعرت بأنها فازت بقدر ما فازت تركيا؟ إلا أن منتقدي مبدأ «تصفير المشاكل مع الجيران»، يشيرون إلى العلاقات المتوترة بين تركيا وإسرائيل وسوريا. حتى إن بعضهم يطلق علية اسم «سياسة صفر من الجيران».

ومن الصحيح أن بعض العلاقات الثنائية هي كل شيء ولكن من دون مشاكل، إلا أن هذا الانتقاد مع ذلك مبني على النتائج. ومن ناحية أخرى فإن مبدأ «تصفير المشاكل مع الجيران» استراتيجية، وليس نتيجة نهائية، وإلا فكان ينبغي علينا بنفس المنطق أيضا انتقاد برنامج حلف الناتو «الشراكة من أجل السلام»، حيث إننا لم نحقق السلام حتى الآن!

وبالتالي، يجب ألا ننسى ونحن نتبع هذه الاستراتيجية أنها لا تضمن دائما تحقيق النتيجة المرجوة منها. ومثلما تتطلب رقصة التانغو شخصين، فإن العلاقات الثنائية بين بلدين هي أيضا طريق ذو اتجاهين. ومثلما تؤثر قوى الجاذبية على الراقصين، تخضع البلدان للديناميات الإقليمية، ولأن المنطقة، التي تشكل ساحة الرقص، هشة «بعض الشيء» في هذه الأيام، يتعرض الطرفان لاهتزاز كبير. وهذا السياق المحدد، بدوره، يحد من قدرة تركيا على المناورة ومن سيطرتها على المنطقة إلى حد كبير.

وقد قال رالف والدو امرسون، الكاتب الأميركي، ذات مرة: «إن السرعة هي الضمان الوحيد للتزلج على الجليد الرقيق بأمان»، ونحن بالتأكيد نتزلج على الجليد بالغ الرقة. ولذلك ينبغي على تركيا تكييف تكتيكاتها بسرعة فائقة. ولكن بينما نحاول الحفاظ على سرعتنا يجب أن نحذر من نسيان حدودنا أو أن نصاب بالدوار من جراء السرعة. وهو مجرد تحذير متواضع ينبغي أخذه في الاعتبار.

* خبير أمني دولي

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية