وسوف تبقى الطبيعة الإنسانية كما هي!

TT

هناك تقدم ولا شك في أجهزة الحصول على المعلومات ونقلها، فهي أكثر وأسرع.. وهي في خدمة العلم والأدب والفن.. ولكن الجهاز الذي نستخدمه في تشخيص المرض، هو نفسه الذي نستخدمه في الجريمة.. فكما أن هناك مؤسسات علاجية، هناك مؤسسات إجرامية تستخدم عددا كبيرا من العلماء والأطباء والمحامين والمجرمين أيضا!

ولكن هناك تقدما.. فالملك سليمان كان يندهش جدا لهذه الظاهرة: وهي أن الأنهار تصب في البحار.. لا الأنهار جفت ولا البحار امتلأت!!

لكن أي طفل صغير يعرف أنها ظاهرة تبخر الماء حين يتحول سحابا فيسقط على الجبال ويتدفق في الأنهار إلى البحار.. وإلى الأبد!! والمؤرخ العظيم توينبي أعظم وأروع من هيرودوت؛ لأنه يعرف أكثر؛ لأنه رأى طويلا وتأمل أطول.. والفيلسوف الفرنسي سارتر أعظم من الفيلسوف فولتير.. وشكسبير أعظم من يوربيدس.. ونيوتن أعظم من فيثاغورث.. والعقاد أعظم من أبي حيان التوحيدي، وطه حسين أعظم من ابن العميد.. وإن كان المستشرق الإنجليزي إدوارد لين عندما جاء إلى مصر قال: إن الموسيقى الشعبية الصافية أروع من كل الموسيقي الغربية!

وأذكر أنني في بداية حياتي الصحافية ذهبت أزور أحد علماء النفس المصريين وجلست إليه طويلا.. ولكن شيئا باهرا وقفت إلى جواره لكي أظهر في صورة أنشرها مع مقالي.. وكانت الصورة لفرن بوتاجاز.. ونشرنا الصورة.. ومعنى ذلك أنني ورئيس التحرير وكل المحررين لم نر مثل هذا الاختراع العظيم.. ولكن عندما ذهبت بعد ذلك إلى قاعدة إطلاق الصواريخ في أميركا لم ألتقط صورة أحد.. والفرق بين البوتاجاز وقاعدة الصواريخ لا يزيد عن عشرين عاما!

فما الذي حققه الإنسان في السنوات العشرين التي تلت ذلك، في المواصلات والمعلومات؟ فالإنسان، كما يقول فيلسوف التاريخ إشبنجلر، هو الحيوان الذي يصنع أدواته!

وقد رأيت في تايوان كيف استخدموا الهندسة الوراثية في تحويل ريش الأوز الأسود إلى ريش أبيض.. وزيادة حجم وطول وعرض الأسماك، وتغيير سلوك الجمبري الذي كان يخرج إلى المياه الدولية فيلتقطه الصيادون اليابانيون، وهذا حقهم، فاستطاع علماء تايوان أن يجعلوا الجمبري يلف ويدور في داخل المياه الإقليمية ليدخل الشباك التي أعدوها له!

وعن طريق الهندسة الوراثية سوف يتغير سلوك الإنسان والحيوان والنبات..

وسوف يعيش الإنسان أطول وأصح، وسوف يقاوم المرض ويقاوم انعدام الوزن..

وسوف تبقى الطبيعة الإنسانية كما هي دون تغيير كبير!