البنوك المركزية وصندوق النقد لم تعد قادرة على إنقاذ الأسواق

TT

وصفوه بأنه «اختيار غرينسبان»، وكان سببا في شعور جيل من المتداولين بالاطمئنان. وإن كانت قد ظهرت عواصف اقتصادية في عهده، إلا أن بن برنانكي كان دائما جاهزا للتدخل لمنع كارثة. ولأن المتداولين كان أمامهم ذلك، استطاعوا بأمان الرهان على أن الأسواق ستنجو حتى من أسوأ الأزمات. وفي العام الحالي، زادت حدة التقلبات وتراجعت أسعار الأسهم بشكل حاد، ويعود ذلك بصورة جزئية إلى أن قلة من المستثمرين من فكر في أنه يوجد ما يمكن أن يطلق عليه «خيار برنانكي»، أو في هذا الشأن «خيار تريشيه». ولكن في الآونة الأخيرة بات ليس واضحا ما إذا كان في مقدور السلطات النقدية منع موجة جديدة من الذعر.

وبصيغة أخرى، فإن شعار الأسواق مع اجتماع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الأسبوع الحالي في واشنطن قد يكون «حسبك نفسك، ولا تعتمد على أحد لينقذك». وعليه، يبدو الوضع مختلفا بدرجة كبيرة عما كان عليه قبل ثلاثة أعوام، عندما كانت اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بمثابة منتدى للوصول إلى استراتيجيات مشتركة للتلطيف من الأزمة المالية عقب انهيار «ليمان برازرز». ويبدو حاليا أن ثمة انقساما وفوضى داخل أوروبا والولايات المتحدة. وقد أصبحت جهود المصارف المركزية لمساعدة الاقتصاد قضية مثيرة للخلاف من الناحية السياسية، ويوجد نوع من الخلاف الداخلي بكل من المصرف المركزي الأوروبي والاحتياط الفيدرالي الأميركي.

وفي المصرف المركزي الأوروبي، واجه الرئيس المنتهية ولايته جان كلود تريشيه انتقادات من ألمانيا واستقالة يورغن ستارك، العضو الألماني في مجلس الإدارة التنفيذي بالمصرف. وذكر ستارك أسبابا شخصية، ولكن يُنظر على نطاق واسع إلى رحيله على أنه رفض لشراء المصرف سندات أصدرتها دول أوروبية متعثرة. وفي المصرف الاحتياطي الفيدرالي، يواجه بن برنانكي، الرئيس الذي خلف غرينسبان، معارضة داخل المصرف المركزي بخصوص جهود أخيرة لتحفيز الاقتصاد.

لقد كان هناك توافق حزبي لفترة طويلة داخل الولايات المتحدة - استمر على الأقل من 1992 عندما ساعد غرينسبان مصارف على التعافي من قروض سيئة لدول أميركا اللاتينية حتى 2008 - ولذا كان متوقعا أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بتوجيه دفعة للاقتصاد وأن يحظى بمعاملة لطيفة من السياسيين.

وكان يميل الرؤساء إلى إعادة تعيين رؤساء الاحتياطي الفيدرالي، حتى مَن عينهم أسلافهم من الحزب السياسي الآخر، ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى خوف من أن الأسواق ستغضب من أي سعي لتسييس السياسية النقدية. لقد كان هناك ستة رؤساء منذ أن تولى بول فولكر رئاسة الاحتياطي الفيدرالي في عام 1979، ولكن برنانكي الرئيس الثالث فقط للاحتياطي الفيدرالي.

ويبدو أن هذا التوافق قد تبخر، حيث يتنافس مرشحون للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية مع بعضهم بإبداء عدائهم لبرنانكي، على الرغم من أنه جمهوري وكان من قبل المستشار الاقتصادي الأول للرئيس جورج دبليو بوش. وقال أحد المرشحين، وهو ميت رومني، إنه سيطلب من برنانكي الاستقالة. وأشار آخر، وهو حاكم تكساس ريك بيري، إلى أن برنانكي ربما يحاول تحفيز الاقتصاد لمساعدة الرئيس أوباما في سعيه لإعادة انتخابه. ويوم الثلاثاء، اتخذ قادة الحزب الجمهوري بالكونغرس خطوة استثنائية بدعوة المجلس الفيدرالي علنا إلى بذل المزيد.

ولم يمنع ذلك الاحتياطي الفيدرالي من إعلان بعض المبادرات يوم الخميس، ولكنها كانت صغيرة نسبيا ومحبطة بالنسبة للمستثمرين. وتراجعت أسعار الأسهم بصورة حادة بعد الإعلان. وربما تزيد التحديات السياسية من الصعوبات أمام الاحتياطي الفيدرالي خلال سعيه لبذل المزيد على مدار العام المقبل، حتى لو كان الاقتصاد أضعف من المتوقع. وبنفس الصورة سيخلف محافظ المصرف المركزي الإيطالي ماريو دراجي تريشيه في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني)، وستكون عليه ضغوط كبيرة من ألمانيا لتجنب إجراءات ربما تزيد من التضخم، حتى لو كانت لأزمة لمنع انهيار مالي جديد.

وفي نفس الوقت، تجد حكومات أوروبية أنه من الصعب الموافقة على إجراء فعال. ولم يدخل اتفاق تم التوصل إليه في 21 يوليو (تموز)، من المفترض أن يتم بموجبه تقديم أموال لليونان ويحد من خسائر المصارف، حيز التنفيذ حتى الآن، وتبدو الأسواق مقتنعة بأن العجز اليوناني أمر حتمي. وتعد إيطاليا الدولة الأخيرة التي تجد أسواق السندات مترددة في تقديم أموال. وربما تحتاج مصارف أوروبية، الكثير منها كان أبطأ من نظيرتها الأميركية في الحصول على تمويلات جديدة، ويرجع ذلك إلى مخاوف من أن منقذي عام 2008 - وهم الحكومات الوطنية - ربما لا يكونون قادرين على تلبية التزاماتهم هذه المرة. وبعد اجتماع لوزارة المالية الأوروبيين الأسبوع الماضي، دعا وزير الخزانة الأميركي تيموثي غيتنر إلى التنسيق في اتخاذ إجراء. وقال: «على الحكومات والمصارف المركزية تحمل المخاطر الكارثية الماثلة أمام الأسواق». وبعدما رحل، قال وزير المالية النمساوي إنه يجب على الأميركيين التوقف على إلقاء المحاضرات على أوروبا.

وتتردد الدول التي تستطيع اقتراض المال بسهولة وبتكلفة منخفضة - وأهمها الولايات المتحدة وألمانيا - في القيام بذلك، على الرغم من تنامي التهديد بحدوث ركود جديد. ويقول الألمان إنه يجب على دول أوروبية أخرى تخفيض النفقات لتستعيد القدرة التنافسية وإنه لا توجد مكاسب من دون ألم. واقترح أوباما برنامجا تحفيزيا جديدا، ولكن يواجه هذا البرنامج نوعا من الغموض السياسي بعد أسابيع قليلة على اتفاق الحزبين على السعي لاتفاق على طرق تخفيض نفقات الحكومة.

وانتهزت مصارف كبرى في مختلف أنحاء العالم حالة الفوضى التي تعاني منها الحكومات لبدء حملات للحد من التنظيمات، واشتكت من أن القواعد الجديدة المتبعة منذ انتكاسة 2008 تهدد النمو. ويرغب هؤلاء في تلطيف قواعد رأسمال ويأملون في ألا يتذكر الكثيرون أن قبولهم المخاطر بصورة مبالغ فيها، مقارنة برأس المال لديهم، ساعد على حدوث كارثة 2008 وأن ذلك يهدد بحدوث كارثة أخرى. وينضم بعض السياسيين إلى ذلك، ويقولون إن المشكلات الحالية تأتي من تدخل حكومي مبالغ فيه في الاقتصاد، ولا سيما في الأسواق الحرة. وربما يجد من يتذكرون «خيار غرينسبان» هذا الزعم غريبا، حيث يبدو أن الخوف من أن الحكومات ربما لا تتدخل للإنقاذ هو ما جعل الأسواق في حالة من القلق.

وربما الطموحات القليلة هي التي تقدم أفضل أمل في نوع من النجاح خلال اجتماعات صندوق النقد الدولي والمصرف المركزي. قبل ثلاثة أعوام، كان يتوقع على نطاق واسع أن الحكومات والمصارف المركزية يمكنها التحرك بفعالية وبتعاون. والآن أي إشارة بأنهم ما زالوا يستطيعون القيام بذلك تبدو مفاجئة سارة.

* خدمة «نيويورك تايمز»