السعودية والملك وقضية المرأة

TT

احتفلت قطاعات كبيرة في المملكة العربية السعودية بمفاجأة الملك عبد الله، حيث فاجأ الجميع بخطاب ركز فيه فقط على موضوع واحد تقريبا، حقوق المرأة السياسية. فيه أعلن عن ضمها للمجلس التشريعي، الشورى، وسمح لها أن تدخل في الانتخابات المحلية، البلدية.

وقبل أن أكرر ما قيل، عن أنها خطوة مهمة وشجاعة، وهي حقا كذلك، من المهم أن أضعها في إطار أوسع من الجانب السياسي وهو منح المرأة مكانة حقيقية في كل المجالات، في المجتمع كله.

خلال السنوات القليلة الماضية كانت تصدر تشريعات وأنظمة متتالية تقوم بتصحيح أو تضمين حقوق المرأة في مجالات مختلفة من منحها هوية كاملة كمواطنة، حيث لم تكن سوى مضاف إليه، أي جزء من هوية الرجل، الأب أو الزوج، إلى تخصيص جامعات وكليات لها بعد أن كانت تدرس في كليات فرعية ملحقة بالبنين، إلى حقها الكامل في الوظيفة وتعويض البطالة، طبعا إلى جانب أن العاهل السعودي حرص على أن يظهر معهن في الصور الرسمية بعد أن كان يشار إليهن بضمير الغائب في السابق. أي أن الملك منحها هوية، بعد أن كانت بلا هوية تعترف بها كمواطنة، والآن أعطاها حقا سياسيا لم يكن متاحا للرجل نفسه قبل سنوات قليلة.

وعلى الرغم من الحملة التي شهدتها الساحة السعودية ضد فكرة حقوق المرأة، وإصلاح الأنظمة لصالح المرأة، وضد القرارات الحكومية نفسها، فإن ذلك لم يمنع الملك من السير، بل لم يمر عام واحد من دون مفاجأة، كما رأينا هذا الأسبوع في خطابه في مجلس الشورى معلنا أنه لم يعد مقبولا ولا مسموحا تهميش المرأة، مقررا حقها في المشاركة السياسية في المجلس، وحقها في أن تنتخب وأن تترشح أيضا.

نحن هنا نتحدث عن المملكة، لا عن أي بلد آخر في العالم، حيث إن المطالبة بحق المرأة السعودية في أن تلتحق بالعمل السياسي وتمنح مثل الرجل في التمثيل السياسي والتصويت، لم يكن يقال إلا على استحياء مع ديباجة طويلة توضح معانيها. لذا كانت مفاجأة للجميع، بما فيهم طلاب الإصلاح أنفسهم، والذين قفزوا في الاستنتاج قائلين إنها من ثمرات الربيع العربي، هم في الحقيقة لا يعرفون الداخل السعودي. فعليا لا توجد مطالبات شعبية بمنح المرأة حق الانتخاب والترشح ولا التمثيل النيابي في مجلس الشورى، بل معظم ما يقال في العلن أصوات متشنجة تعارض منح المرأة مثل هذه الحقوق، وتحاول إسكات الأصوات الداعية لإعطاء النساء أي شيء، مع التذكير أن مكانها البيت، ووظيفتها الوحيدة تربية الأطفال. وبالتالي لا يمكن تصنيفها أنها استجابة، بل هي خطوة متقدمة تجعل الملك عبد الله رجلا إصلاحيا حقيقيا، يعرف أنها حقوق لا تخالف الشرع، وليست إملاءات داخلية أو خارجية، بل يعمل من أجل بلده ومواطنيه، وأثبت أنه ليس لاعبا سياسيا يسعى لإرضاء فئات على حساب أخرى من قبيل التكسب الدعائي أو الشعبي.

إن كل القرارات التي اتخذها العاهل السعودي في مجال المرأة، ومجال الإصلاح السياسي والاجتماعي عموما، لم تكن سهلة أبدا، لم تكن بالضرورة شعبية، وليس لها مردود سياسي أو شخصي، إنما قرارات بالغة الأهمية، وفي نفس الوقت بالغة الحساسية، تتطلب شجاعة من رجل يعرف أنه يملك ثقة مواطنيه فيه، بما فيهم الذين قد لا يتفقون معه عليها، لهذا هو رجل تاريخي أصدر قرارات تاريخية نعرف جميعا أنها صائبة، ستخدم البلد والمجتمع على المدى الطويل.

[email protected]