المرأة السعودية.. وموقف ملك

TT

بقرار الملك عبد الله بن عبد العزيز، فتح المجال للنساء في عضوية مجلس الشورى والمجالس البلدية، يكون قد أشرع باب العمل والأمل واسعا أمام النساء السعوديات.

خطاب الملك في مجلس الشورى كان واضحا وحاسما وحافلا بالإشارات والرسائل، لمن يعنيه الأمر، على طريق المرحلة الحالية.

خطاب خلاصته: السعودية تسير على خطى الإصلاح، وليست مذعورة أو مترددة. والحديث طبعا هنا كان «مسألة» المرأة، وهي حقا مسألة المسائل في تطور المجتمع السعودي، وكل المجتمعات الإسلامية طبعا.

من أهم المعايير والمقاييس التي يعرف بها تحضر وتطور المجتمعات، موقفها من المرأة وتمكينها من الشأن العام، والجدل بين المتشددين والمنفتحين في مسألة المرأة جدل قديم ومحفوظة حججه العامة تقريبا، ولكن الفيصل هو الميدان، والميدان يقول إن المجتمعات التي أضافت المرأة إلى سياق العملية التنموية واستثمرت فيها تعليما وإدارة هي التي كسبت وفازت في سباق التنافس التنموي.

الملك بلسم الجرح في خطابه التاريخي بمجلس الشورى، وكان مباشرا وهو يؤكد أن التحديث والإصلاح المتوازن:

«مطلب هام في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين والمترددين».

ويتحدث بشكل أكثر تحديدا عن صورة المرأة السعودية في ذهن القيادة وصانع القرار السيادي، فيؤكد على رفض «تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي». ويشير إلى أن «للمرأة المسلمة في تاريخنا مواقف لا يمكن تهميشها منها سواء بالرأي والمشورة منذ عهد النبوة».

منح العضوية للمرأة السعودية في مجلس الشورى والمجالس البلدية، خطوة كبيرة للأمام، تختصر الكثير من الزمن، وتوفر الكثير من الجدل المضني والفارغ بين المتنازعين، كهذا الجدل المريض الذي خضناه ونخوضه منذ أكثر من عقدين حول قيادة المرأة السعودية للسيارة، بحيث تحولت القضية إلى مادة سجال سياسي وفكري ومجتمعي.. سجال بلا نهاية وركض بلا هدف.

تمكين المرأة من الشأن العام مهم جدا في تحديث المجتمعات الإسلامية، وهو بوابة لكثير من الإصلاحات المتنوعة في البيت والعمل والشارع.

وهي مسألة قديمة قدم أسئلة النهضة والإصلاح في هذا الشرق الإسلامي، وقد تأخرت السعودية فعلا في استحقاقات هذه المسألة، خصوصا مع الطفرة الهائلة في تعليم الفتيات والنساء، خصوصا أكثر بالنظر إلى حضور الفتاة السعودية البارز في بعثات التعليم الخارجية، وقد تميزن، حسب مراقبي هذه البعثات والمشرفين عليها، بالجد والجهد.

أضف إلى ذلك، ثورة التعليم الحديث في الداخل السعودي، ونسبة الفتيات الدارسات.. إننا نتحدث عن ثورة جيل بالفعل، ومن الضروري أن يكون المجال العام منسجما لاستيعاب الفتاة السعودية الجديدة، فما صلح للماضي ليس بالضرورة يصلح للحاضر، لا طعنا في الماضي ولا إشادة بالحاضر، بل انسجاما مع منطق الحياة نفسه، هذا المنطق الذي من يعانده يخسر الحياة!

مما يروى عن الملك المؤسس، عبد العزيز، أنه كان حينما يروي بيت الشعر الشهير:

نبني كما كانت أوائلنا تبني

ونفعل «مثلما» فعلوا

يعدله إلى هذا الشكل:

نبني كما كانت أوائلنا تبني

ونفعل «فوق» ما فعلوا!

الإضافة هي في التراكم النوعي وليس التكديس الكمي، والملك عبد الله بن عبد العزيز يمضي على سنة الأسلاف «المصلحين»، كما كان والده المؤسس جريئا في البناء، ومقداما في تحديث المجتمع والدولة، بما يناسب احتياجات المرحلة، كذلك يفعل النجل عبد الله بن عبد العزيز، مستحضرا هذه الروح الوثابة غير «المترددة» ولا المتخاذلة، كما جاء في الخطاب الملكي.

الحق أن المرأة في الجزيرة العربية لم تكن بالصورة الخانعة والسلبية التي يحاول البعض حشرها فيها، من خلال تغييب دورها عن المجال العام كله.

يكفي فقط الإشارة إلى أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) ودورها السياسي المحوري في صدر الإسلام، وكذلك قيمتها العلمية والتاريخية في المدونة الإسلامية.

بل إن هناك امرأة كان لها الدور الأساسي في بداية الدعوة للإسلام، قبل كل الرجال، حتى الخلفاء الأربعة، وهي السيدة خديجة (رضي الله عنها) التي كانت امرأة مثقفة وتاجرة وذات رأي وعزم، وهي الحضن الرؤوم للنبوة والدعوة، وكان هناك نسوة ضحين بأنفسهن من أجل الإسلام في بدايته مثل السيدة سمية أم عمار بن ياسر، وكان هناك دائما حول النبي الكريم نسوة مساندات بحماس له، كما يقول الباحث والمفكر العراقي الشهير هادي العلوي: «كن يشكلن ما يشبه الحاشية النسوية»، ومنهن: أم عمارة وأم منيع وأم عامر الأشهلية وغيرهن.

كانت المرأة في المرحلة المدينية النبوية حاضرة بعفوية وقوة.. يروي مسلم في كتابه الصحيح: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن أبي حازم عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرسه فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس. قال سهل تدرون ما سقت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أنقعت له تمرات من الليل في تور فلما أكل سقته إياه (صحيح مسلم/ كتاب الأشربة 2006).

أين هذه الصورة الطبيعية من التعامل العفوي بين مجتمع المدينة، رجالا ونساء، من الحواجز الرهيبة التي تحاط بها حركة المرأة السعودية اليوم من قبل أنصار الشك والريبة؟!

حتى في الميراث الفكري للحضارة الإسلامية نجد موقفا متقدما جدا تجاه دور المرأة وما يمكن أن تقوم به. نذكر هنا لفيلسوف قرطبة وفقهيها ابن رشد، نصا مهما كما في كتاب «جوامع سياسة أفلاطون»، وهو من الكتب المفقودة في أصلها العربي كما يقول العلامة هادي العلوي، غير أن المستشرق الفرنسي رينان، ينقل عنه مترجما من اللاتينية إلى الفرنسية، واجتهد العلوي في تقريبه..

يقول فيه ابن رشد عن المرأة: «تختلف النساء عن الرجال في الدرجة لا في الطبع، وهن أهل لفعل جميع ما يفعله الرجال من حرب وفلسفة ونحوهما، ولكن على درجة دون درجتهم، ويفقنهم في بعض الأحيان كما في الموسيقى (...)، وليس من الممتنع وصولهن إلى الحكم في الجمهورية (يشير إلى جمهورية أفلاطون)».

هذا النص، ورغم أن البعض قد يرى فيه تقديرا ناقصا للمرأة، فإنه يعتبر نصا ثوريا متقدما قياسا بما نراه اليوم من نقاشات حول أهلية المرأة للعمل في السياسة والإدارة، بل أهليتها لقيادة مجرد سيارة حتى!

وإذا ما تعرضنا للمرأة في سياق التاريخ السعودي الحاضر، فسنرى الكثير الكثير من الأدوار المهمة والفاعلة لها؛ قديما وحاضرا، ويصعب الإحاطة بها أو حتى المرور سريعا عليها، ولكن تكفي هذه الإشارة السريعة، حيث تتحدث الدكتورة السعودية دلال الحربي في كتابها الجميل «نساء شهيرات من نجد» الذي أصدرته دارة الملك عبد العزيز، عن 52 امرأة من اللاتي عشن في نجد في الفترات السابقة وكان لهن تأثير في مجتمعاتهن في تلك الفترات، وتقتصر حدود هذا الكتاب مكانيا على منطقة نجد، وزمانيا على الفترة ما بين بداية القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) ووفاة الملك عبد العزيز عام 1373هـ. وقد اعتمدت المؤلفة على مصادر متنوعة في جمع مادة هذا الكتاب، وهي: الكتب والمقالات المنشورة، والمحفوظات، والوثائق، بالإضافة إلى الروايات الشفهية التي كان لها دور كبير في إثراء مادة هذا الكتاب. (كما في تعريف الدارة بكتاب المؤلفة).

وبعد: فالملك عبد الله حينما يفسح المجال للمرأة ويرفع الحيف عنها، إنما يكمل الرسالة التي بدأها الأسلاف، ويستجيب لتحديات العصر دون وجل أو تخاذل.

المرأة هي عنوان التحضر والتقدم في هذا الشرق، لذلك قال شاعر النيل وشاعر النهضة، حافظ إبراهيم، منذ نحو القرن:

من لي بتربية النساء فإنها

في الشرق علة ذلك الإخفاق