مبروك للسعوديين

TT

كان قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بضم المرأة السعودية لعضوية مجلس الشورى والسماح لها بالترشح والمشاركة في الانتخابات في المجالس البلدية، مهما ولافتا بمعنى الكلمة، لأن القرار جاء ليضع الأمر في جادة الحق والصواب، وينتصر للوسطية الحقة وروح التسامح الديني والسوية الاجتماعية على حساب التطرف والتشدد والتمييز، كان خطابا واضحا ومباشرا وصريحا يبين فيه أن مكانة المرأة في مجتمعها تسمح لها بأن تمارس أدوارا أساسية تمكنها من المشاركة في صناعة مستقبل بلادها. وكانت الكلمات واضحة، بحيث إن الإخراج السياسي والشرعي لا يبقي لأي متردد أو متشنج أو معترض مجالا حقيقيا للاعتراض أو ما شابه ذلك.

كان دوما سؤال غياب المرأة عن عضوية مجلس الشورى السعودي وعن الانتخابات البلدية في غاية الغرابة، ومن الصعب الإجابة عنه، ومعظم الذين يجيبون عنه بديباجات تقليدية ليسوا على قناعة، هم أنفسهم، بما يقولون، ولذلك يجيء هذا القرار في السياق الطبيعي لتطور الأمور، وليضعها في نصابها الصحيح. مجلس الشورى بانضمام المرأة إليه، وكذلك المجالس البلدية، سيكون واجهة أوسع، وعلى قدرة أكبر لتناول المواضيع الاجتماعية بمختلف تحدياتها، وستكون المواضيع بالتالي ذات مصداقية أكبر، لأنها ستعكس زوايا المجتمع المختلفة. السعوديون بهذه الخطوة التاريخية ينتقلون إلى مرحلة مهمة من إزالة عناصر الشك والقلق بين عناصر المجتمع الذي أرهقته اكثرة التصنيفات التي تفرق بين عناصر النسيج الاجتماعي بأعراف اجتماعية تحولت مع الزمان إلى آيديولوجيات جامدة لها ما يشبه القدسية، ولا يمكن المساس بها ولا مناقشتها أو التعرض لها بأي شكل من أشكال النقد أو المواجهة. ملف المرأة تم التطرق إليه في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز بجرأة وحكمة، وبمراعاة الجانب الوسطي والتسامحي والتعددي في الدين الإسلامي، فتمكنت من الدخول إلى مجالات مختلفة في سوق العمل الخاص، وفي المجال الحكومي في مناصب عليا وتنفيذية، وبانضمامها لمجلس الشورى ستكون في «مطبخ» صناعة القرارات السياسية طويلة الأجل، وهو المكان الذي بات يخرج منه الكثير من القيادات التنفيذية المهمة في الوزارات وغيرها من المناصب الحيوية.

تفاعل الناس وفرحتهم التلقائية بهذه القرارات يدل على نهم وتعطش كبير لدى السعوديين لتحقيق السوية الاجتماعية لكافة قطاعات وشرائح مجتمعهم لكي يكون ذلك ابتعادا حقيقيا عن التشدد والتطرف من أجل تحويل فكرة السعودية كبلد إلى وطن يسع الجميع، مهما كانت التباينات والاختلافات.

لعل أهم الإنجازات الفورية للقرار التاريخي للملك عبد الله بن عبد العزيز هو تحقيق صورة نمطية جديدة للبلاد غير ما كانت عليها في السابق، صورة تساعد على صناعة مستقبل جميل تستحقه أجيال متأملة في ذلك، كما أن إدراج الفتاة السعودية في منظومة التعليم السعودي الرسمي له وقع كبير على المجتمع، كذلك سوف يكون لهذا القرار وقع كبير، ولأسباب أخرى لا تقل أهمية. مجلس الشورى والمجالس البلدية أدوات لتمكين المواطن السعودي من المشاركة في صناعة القرار السياسي في بلاده لأجل رسم طريق نحو مستقبل سياسي أفضل وأكثر تفاؤلا، وما تم إصداره من قرارات تاريخية بالأمس يصب في هذا الاتجاه، وهو الذي سيزيد من مكانة وأهمية المجلسين الشورى والبلدي، ويضع مسؤولية على عاتق المشاركين فيهما ليطوروا من أدائهما والطموحات المتعلقة. مبروك للسعوديين جميعا بلا استثناء.

[email protected]