الاستراتيجية المستقبلية لمكافحة الإرهاب

TT

فيما نفكر مليا في الذكرى العاشرة لأحداث 11 سبتمبر (أيلول)، ونتطلع إلى المستقبل، لا بد من أن نتحدى افتراضات العقد المنصرم بشأن دعم العنف ومساندته. فرغم أن موقف تنظيم القاعدة الديني جعل الكثير من الناس يلقون اللوم في العمليات الإرهابية على التعاليم الإسلامية، فإن البحث الدقيق يكشف واقعا مغايرا لذلك.

تشير دراسة حديثة صادرة عن مركز غالوب أبوظبي بعنوان «وجهات نظر حول العنف: ما الذي يدفع جمهور العامة إلى قبول ورفض الهجمات على المدنيين بعد 10 سنوات من هجمات 11 سبتمبر»، إلى أن الهوية الدينية ومستوى الورع قلما يكون لهما شأن في وجهات النظر حول الإرهاب.

ووفق أكبر دراسة من نوعها على مستوى العالم، التي تغطي أكثر من 130 بلدا، فإن للتطور البشري والحكم - وليس التقوى أو الثقافة - التأثير الأكبر على رفض أو قبول العامة لهذا النوع من العنف.

إن عواقب هذه النتائج على السياسة العامة بعيدة المدى، فالبحث يبين أنه للحصول على نسبة أكبر من رفض جمهور العامة للهجمات على المدنيين، على القادة التركيز أكثر بكثير على التقدم الاجتماعي، وأقل بكثير على الدين.

لقد علت، منذ الحادي عشر من سبتمبر، أصوات الذين يرون أن الإسلام يشجع على الاعتداء - كان آخر تلك الأصوات صوت أندرس برييفيك، الذي صرح، قُبيل إطلاق النار على أكثر من سبعين شخصا في النرويج، بأن إيمان خمس سكان العالم كان عنيفا حقا.

وإذا كان هذا الادعاء صحيحا، فإن ذلك يعني منطقيا أن المسلمين هم أكثر احتمالا من غيرهم للتغاضي عن العنف، حتى لو لم يشترك أغلبيتهم شخصيا بتلك الأعمال.

إن الأدلة تدحض هذا الجدل. في الواقع إن الذين يعيشون في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي (OIC) هم أقل احتمالا بقليل من غير الأعضاء للنظر إلى الهجمات العسكرية على المدنيين على أنها «مبررة أحيانا»، وهم على المستوى نفسه من الدول غير الأعضاء لقول الشيء نفسه عن الهجمات الفردية على المدنيين.

كان اتهام تشجيع العنف من بعض النقاد موجها ليس ضد الإسلام فقط، بل ضد كل الأديان الأخرى، إلا أن النتائج تتحدى أيضا هذا الاعتقاد.

تستنتج دراسة غالوب العالمية أن تعاطف العامة مع العنف ضد غير المقاتلين لا يرتبط بالورع الديني.

إن نسبة احتمال الذين يرفضون الهجمات العسكرية والفردية على المدنيين في آسيا، وأفريقيا جنوب الصحراء، كنسبة أولئك الذين يرونها مبررة أحيانا لإعلاء شأن الدين. والذين يرفضون الهجمات العسكرية والفردية على المدنيين في أوروبا، والشرق الأوسط، وشمالي أفريقيا هم أكثر احتمالا للقول إن الدين يشكل جزءا مهما من حياتهم اليومية.

وعلى القادة بدلا من النظر إلى الورع الديني لتفسير التعاطف مع العنف، أن يأخذوا بالاعتبار التطور الاجتماعي، والاقتصادي، والحكم الأفضل. لقد اختبر محللو غالوب الترابط بين المستوى الذي يقول فيه السكان بأن الهجمات على المدنيين «مبررة أحيانا»، وبين عدد من المؤشرات المستقلة. ولعل أحد أقوى التنبؤات بتجاوز العامة عن الهجمات ضد المدنيين هو التطور البشري المنخفض. ففي البلاد ذات برنامج التطور التابع للأمم المتحدة الأكثر انخفاضا - نتائج مؤشر التطور البشري، فإن الناس هم أكثر احتمالا للقول إن الهجمات الفردية والعسكرية على المدنيين هي مبررة أحيانا. إضافة إلى ذلك، فإن نسبة الناتج المحلي الإجمالي (GDP) للأمة المكرس للتعليم يرتبط مع قبول جمهور العامة الأكثر انخفاضا للهجمات الفردية على المدنيين.

وثمة رابط آخر مهم يكشف عنه التحليل هو الرابط بين التعاطف الشعبي للعنف وبين الحكم السيئ. فمسؤولية الحكومة الضعيفة، والشفافية الأكثر انخفاضا، والحرية السياسية الأقل، ترتبط بتجاوز العامة الأعلى عن الهجمات الفردية على المدنيين.

وفيما تكون أعمال الأقلية التخريبية قد اتخذت شكلها في العقد الماضي، فإن التحولات التاريخية في هذا العام تشير إلى أن طموحات الأكثرية سوف تتخذ شكلها خلال السنوات العشر المقبلة. وعلى القادة، لمواجهة هذا التحدي، الاستثمار في تطوير مجتمعات أفضل للحصول على أفضل تحصين ضد تعاطف العامة مع العنف.

* مديرة ومحللة رئيسية في مركز غالوب أبوظبي