الكويتي المتزمت

TT

عرف السفير عبد الله بشارة بأنه من «الكويتيين الانعزاليين». وبسبب حذرهم من العراق وسياسات بغداد، قيل إنه معادٍ للعروبة. وعندما أسهم في إنشاء مجلس التعاون قيل إنه يريد أن يعزل الخليج عن التيار القومي. لم يكن عبد الله بشارة يخفي رؤيته، ولا خصمه كانوا يخفون مشاعرهم. مؤيدوه كانوا قليلين.

تعود الكويت (والخليج) الآن إلى رؤية عبد الله بشارة، ولا يزال الصوت الأكثر شجاعة في التعبير عن مصالح الكويت ومستقبل منظومة دول الخليج التي تواجه ثلاثة تحديات على ثلاثة محاور: الضعف العربي العام، والعدوانية الإيرانية المتصاعدة، والأكثرية السكانية الآسيوية التي تراوح بين 70 و90 في المائة في المنطقة.

وفوجئت - كما فوجئ حتما قراء عبد الله بشارة - («الوطن» 25 سبتمبر/ أيلول) بأنه يطالب «بالغرف من خزان البدون البشري الموجود بكثافة داخل الكويت ودول مجلس التعاون (...)، وهم مجموعة خرجت من رحم المنطقة بسبب اضطرابات واحتياجات وتهريبات وتبدلات في الحكم». فهو يرى أن «الارتخاء النفطي» أدى إلى قيام مشكلتين: تفوق عدد الغرباء بنسب خطيرة، ومعاناة في صفوف العمالة التي تلقى معاملة غير عادلة بسبب حجمها وبسبب العصابات التي تتعاطى تجارة التهريب البشري.

«شاهد يوميا في الجمعيات التعاونية قامات طويلة من البشر المستورد يقف عند صندوق الدفع، مهمته أن يضع المشتريات في أكياس الجمعية، ونتساءل: هل معقول أن ننحدر بالكسل إلى هذه الوضعية، ونأتي بهذه القامات من قارات ومسافات لهذه المهمة التافهة؟». الحقيقة أن لهذه المسألة بالذات وجهين: وجه، أو صورة، الكسل في أقصى اتكاليته، والوجه الآخر هو إفادة الشعوب الفقيرة التي تلقى ما تأكل بسبب هذه التصرفات.

وهذه ليست علة كويتية طبعا، بل هي، لحسن حظ الآسيويين، ظاهرة عربية، ولعل لبنان هو مهدها وذروتها. فالعاملة الآسيوية جزء من المرتبة الاجتماعية، وكلما كثر عددهن في البيت الواحد ثبت للآخرين أن «البكوية» في تحسن والنفوذ في ازدهار.

تحدث السفير بشارة عن مجتمع مواز من العمال الأجانب، يعيش منفصلا تماما عن المجتمع المقيم، له مخالفاته وشبكاته وممارساته وسرقاته، ومنها التلاعب بأسعار النفط بنحو 3 مليارات دولار في السنة. ومن المؤسف أن مواقف وتحذيرات عبد الله بشارة التي جعلت الناس ينتقدونه في الماضي، تجعلهم نادمين الآن. ولا يحاول التغطية على مسؤولية الدولة والقيادة، بل يبدو «الكويتي المتزمت» الآن كويتيا متذمرا إلى حد بعيد. ويبدو من الصعب أحيانا أن تجاريه الرأي، لكن دائما يبدو من المستحيل ألا تأخذ برؤيته.