إيران وسوريا: صنوان على الرغم من الاختلاف

TT

قد يبدو للوهلة الأولى أن النظامين في إيران وسوريا لا يحملان أية قواسم مشتركة..

فقيام النظام الإيراني على مبدأ ولاية الفقيه، كمبدأ مؤسس، أكسبه صبغة ثيوقراطية واضحة منذ البداية. في المقابل، تباهى النظام السوري الذي تشكل على يد زمرة من العسكر العلويين المتنكرين في ثياب البعث، بعلمانيته، مقدما نفسه على أنه الضامن لتعايش سلمي غير طائفي بين القوميات المختلفة للشعب السوري.

وقد عمد كلا النظامين، خلال الشهور الأخيرة، إلى التأكيد على هذه المبادئ الأساسية المزعومة..

في إيران، تقوضت سلطات أحمدي نجاد، مما مكن المرشد الأعلى من الترويج لنفسه على أنه الإمام الرابع عشر.

وفي سوريا، ألقى الرئيس بشار الأسد باللائمة على المتشددين الإسلاميين، و«القاعدة» في المظاهرات التي تهز البلاد منذ أشهر.

بيد أن النظرة المتفحصة لكلا النظامين، من ناحية منهجية، تبرز التقارب الوثيق بين الحليفين.. ففي إيران، قد يدعي خامنئي أنه الإمام، لكن بات واضحا بما لا يدع مجالا للشك أن الجيش أصبح الدعامة الرئيسية لحكمه.

وبعبارة أخرى، فإن خامنئي يسيطر على السلطة لأن الجيش في صفه، حتى الوقت الراهن على الأقل، لا بسبب صلصلة المسبحة في يده.

على الجانب الآخر، تزداد الهوة في سوريا بين الجيش وزمرة الأسد يوما بعد يوم. وربما كان ذلك هو السبب في قرار الطائفة العلوية إحياء حركة علي المرتضى الطائفية، التي قادها في السابق رفعت الأسد عم الرئيس المنفي، باعتبارها العمود الفقري للوحدة العلوية.

هذه الجهود الرامية إلى تخويف الأقلية العلوية لدعم نظام محكوم عليه بالفشل، لا يتوقع أن تنجح؛ فغالبية السوريين اليوم، بمن فيهم العلويون، لديهم من النضج ما يكفي للتفكير وتجاوز الحدود الطائفية الضيقة، ولن يستطيع الأسد كسب تعاطف القوى الغربية بالترويج لنفسه كحام للأقلية المسيحية.

ونتيجة لاعتماده المتزايد، في الوقت ذاته، على الدعم الإيراني، اضطر الأسد لتضمين خطابه جرعة دينية، وقد غير وجود المئات من رجال الدين الإيرانيين وعشرات الآلاف من الحجاج من إيران أيضا مشهد دمشق التي تبدو الآن أشبه بقم منها بجنة «العلمانية» التي يزعم الأسد أنه يدافع عنها. بيد أن النظامين يمتلكان الآن العديد من القواسم المشتركة المهمة الأخرى.

من بين أهم هذه القواسم، التدمير المنهجي لجميع المؤسسات التي أنشئت على مدى عقود؛ ففي إيران، كانت أولى المؤسسات التي تقوض مؤسسة الرئاسة التي تحولت بفعل بعض التحركات الفجة لخامنئي، إلى مؤسسة لا قيمة لها.

بعد ذلك، جاء الدور على السلطة القضائية كي تتحول إلى صورة زائفة بتعيين ملالي صغار حولتهم وسائل الإعلام المملوكة للدولة إلى آيات الله العظمى.

كما تم تدمير ما يعرف باسم مجلس تشخيص مصلحة النظام عندما قام خامنئي بتعيين مجموعة جديدة من المقربين له للقيام بعمله.

الآن، تم تجريد المؤسسة التشريعية، مجلس الشورى الإسلامي، أو المجلس، من أي صلة له بنظام قائم على ولاية الفقيه، أو حكم الملالي.

أعلن محمد جواد لاريجاني، وهو شقيق رئيس المجلس علي أردشير، صراحة أن أي شخص يشتبه في عدم رغبته في إطاعة المرشد في جميع المسائل وفي جميع الأوقات لن يسمح له بالترشح في انتخابات العام المقبل.

ونظرا لأنه لا توجد آلية واضحة مسبقة لتحديد الأشخاص الذين يطيعون المرشد الأعلى في المستقبل، ستكون الطريقة الأكثر فعالية لاستباق مثل هذه الكارثة إخلاء المجلس من أي مضمون يمكن أن يمثله، وسيتم ذلك عن طريق علي أردشير نفسه عبر ملاحظة ذكية بأن المجلس يجب أن يعمل وفقا لتوجيهات من المرشد الأعلى فقط.

ويمكن للمرء أن يلاحظ وجود اتجاه مماثل في سوريا، حيث تحول تسليم البرلمان والسلطة القضائية ومجلس الوزراء، وحتى حزب البعث، في أصداف فارغة.. وكانت فكرة الضغط على قوة وهيبة جميع هذه المؤسسات طمعا في إضافة ما خسرته هذه المؤسسات إلى هيبة وقوة للرئاسة.

المشكلة هي أن دفع مؤسسة الرئاسة بنفسها في طليعة الحملة القمعية، دشن عملية تدمير ذاتي، حتى إن القلة القليلة الباقية من مؤيدي الأسد يعترفون اليوم بأن الرئاسة السورية هي أضعف مما كانت عليه قبل عام. ومع اتهامهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ومقاطعة غالبية البلدان التي تهتم بسوريا لها، لم يعد الرئيس بشار قادرا على القيام بعمله كرئيس للدولة، لأن خسارته مكانته تترجم مباشرة على أنها ضعف في الرئاسة كمؤسسة.

كل هذا يعني أن المؤسسة الوحيدة الباقية في سوريا، كما هي الحال في إيران، هي القوات المسلحة.

بيد أن النظام القائم على القوة العسكرية غير مستقر بطبيعته. ربما كان ذلك هو السبب في كون سياسة تفكيك جميع المؤسسات والاعتماد فقط على القوات المسلحة، على الرغم من جاذبيته من الناحية التكتيكية، محكوما عليها بالفشل.

لقد كان آية الله الخميني يدرك ذلك بشكل غريزي. ولعل ذلك هذا هو السبب في أنه منع العسكر من التعبير عن أي وجهات نظر حول مواضيع سياسية علنا، ناهيك بالوقوف كحرس إمبراطوري لولاية الفقيه.

وكان الراحل حافظ الأسد يفهم ذلك أيضا، وكان هذا هو السبب في أنه ألقى بزيه العسكري وسمح للبرلمان، ولمجلس الوزراء، وحتى لما تبقى من حزب البعث، بهامش للتعبير عن الرأي.

وعبر تركيز كل السلطات في يد كل منهما والاعتماد في الوقت ذاته بشكل متزايد على الجيش، نفى كل من خامنئي وبشار عن أنفسهم حماية المؤسسات التي بنيت على مدى عقود من الزمن. هذا هو السبب في أن إسقاط رأس السلطة في كلا البلدين هو المطلب المحوري لجميع المعارضة، بما في ذلك أولئك الذين ما زالوا مرتبطين عاطفيا بالنظام.

حتى أكثر الأنظمة الاستبدادية في الحكومة تحتاج إلى بعض التفاعل بين الحاكم والمحكوم. هذا لأنه في الوقت الذي يكون فيه الإكراه ذا أهمية أساسية في توطيد وترسيخ القوة، فإن الإقناع أمر حيوي للاستمرار. والحاكم الذي يختفي خلف البندقية، دائما ما ينتهي بتحول البندقية صوبه.