اغتيال عند الجيران

TT

كانت إقامتي المتقطعة خلال السنوات التسع الماضية في أفغانستان في منزل بحي وزير أكبر خان في كابل. وفي الماضي، عندما كنت أصف لأحد ما منزلي كنت أذكر معلما شهيرا بجوار المنزل، منزل برهان الدين رباني رئيس مجلس السلام الأعلى والرئيس الأفغاني الأسبق وأحد قادة الجهاد الأفغاني. لكن تدهور الموقف الأمني جعل أصدقائي أكثر ترددا في زيارتي، فقد كان القليلون منهم يرغبون في المخاطرة بالاقتراب من منزل الرجل المسؤول عن مفاوضات السلام مع طالبان. وعندما كنت في نيويورك الأسبوع الماضي قتل رباني في منزله، على يد شاب كان يخفي متفجرات في عمامته، وفجرها في غرفة استقبال رباني عندما انحنى لتحية جاري وتقبيل كتفه. وفاة رباني جلبت معها تحطم الأمل لدى الكثير من القادة الأفغان في التفاوض مع طالبان، إضافة إلى عدم ثقتهم بقدرة الرئيس حميد كرزاي في التوصل إلى اتفاق معهم.

بقراره تحمل عبء المصالحة بين طالبان وكرزاي عارض رباني رغبات خصومه السياسيين، والكثير من أصدقائه وزملائه. وقد راح العديد من القادة الروحيين والسياسيين البارزين الراغبين في حماية الديمقراطية الناشئة في أفغانستان - بعد رحيل طالبان - ضحية هذه الجهود.

لم يكن الموقف الأمني لرباني أكثر خطورة في أي مكان مما هو عليه في شارعنا. حيث توجد نقطة تفتيش خارج منزله، يتجمع حولها الكثيرون كل صباح - المتسولون، والأشخاص الذين يعانون أمراضا أو شكاوى والأفغان من جميع أنحاء البلاد الذين كانوا يأملون في الحصول على مساعدة من السياسي المعروف. وقد حذرني صديق أميركي خلال زيارتي الأخيرة إلى أفغانستان، قبل شهر واحد فقط، قائلا «سوف ينفجر بيتك مع بيت رباني إذا ما تمكن انتحاري من تجاوز نقطة التفتيش تلك. هؤلاء الحراس لا يصلحون لشيء. فمن الممكن نزع أسلحتهم بسهولة». بيد أنني لم يسبق لي أن شعرت بعدم الأمان في الشارع الذي يقع فيه بيت رباني، وكصحافية، وجدت ميزة في العيش بالقرب من الرجل الذي يطلق عليه محبوه «البروفسور رباني».

التقيته مرات عديدة خلال السنوات القليلة الماضية، وخلال أكثر الفترات السياسية اضطرابا في أفغانستان، مثل الانتخابات، أو المجالس القبلية التي تكون بمثابة استفتاء وطني، كنت أجلس في بهو منزله لساعات في كل مرة للاستماع إلى ما كان يحدث في الحكومة، والحصول على معلومات مباشرة لمقالات أخرى. كان رباني شخصية مهذبة عذب اللسان ومتواضعا، ودائما ما يستقبلني ويحييني بابتسامة خفيفة قبل تقديم الزبيب والجوز والشاي الأخضر.

على الرغم من انتقادات رباني الدائمة لإدارة كرزاي كان لا يزال يأمل في أن يستفيد الشعب الأفغاني من اهتمام العالم ببلادهم لتحقيق السلام قبل فوات الأوان، وقد قال لي: «يجب علينا أن نتصرف قبل أن يتوقف المانحون الدوليون عن الاهتمام بما إذا كنا قد حققنا الديمقراطية أو مستوى مرتفعا من المعيشة. فذات يوم لن يكترث العالم وسنخسر الدعم».

كقائد معتدل كان أحد قادة المجاهدين، عمل رباني كحلقة وصل بين مختلف فصائل السلطة في المجتمع الأفغاني. وعبر دبلوماسية نشطة أقنع رباني زملاءه المجاهدين بتأييد كرزاي على الرغم من خلافاتهما. ومع تحميل شخصيات بارزة اللوم على كرزاي لمقتل رباني (وما يعتبرونه دعمه الساذج للحوار)، سيكون من المستحيل بالنسبة له استعادة ثقتهم واستئناف محادثات السلام مع حركة طالبان.

خلال السنوات التسع الأخيرة كان المرور الوحيد حول منزلي لأفراد كانوا قادمين لزيارة رباني أو مغادرة منزله. غير أن من سيقدم لزيارتي الآن سيجد الطريق مغلقا.

* صحافية تكتب عن الشؤون الإيرانية والأفغانية

* خدمة «واشنطن بوست»