اهتمام خجول بـ«ألزهايمر»

TT

يوم 21 من سبتمبر (أيلول) الحالي كان اليوم السنوي العالمي لمرض ألزهايمر Alzheimer، ولدى ذوي مرضى ألزهايمر كل يوم هو سنة من المعاناة في رؤية شخص عزيز عليهم خارج النطاق في التواصل مع العالم من حوله.

ألزهايمر مرض قاس جدا على أفراد المصاب به، والقسوة ليست فقط نفسية من رؤية الشخص العزيز يفقد أدنى قدرات العناية بالنفس أو التحكم في التبول أو معرفة أبنائه وبناته وأحفاده وما يدور حوله، بل هي في كيفية صبر الزوجة أو الزوج أو الأبناء أو البنات لإعادة رد الجميل السابق بمن قدم لهم المحبة والرعاية ولم يتأفف ألبتة حتى كون الأسرة وشبّ وكبر الأطفال.

ألزهايمر هو أكثر أنواع خرف العته dementia شيوعا على النطاق العالمي، ووفق إحصائيات منظمة الصحة العالمية، فهناك 18 مليون شخص تم بالفعل تشخيص إصابتهم بـ«ألزهايمر». ولكن كثيرا من المصادر الطبية تؤكد أن هذا الرقم أدنى بكثير من العدد الفعلي للإصابات العالمية بمرضى ألزهايمر، وخاصة مع وجود مناطق شاسعة من العالم لا تتوفر فيها خدمات متقدمة في طب الأعصاب. هذا مع ملاحظة المنظمة أنه خلال الـ15 سنة المقبلة هناك ارتفاع بنسبة الضعف في عدد الإصابات بـ«ألزهامر» وخاصة في الدول النامية. ولا يعرف الباحثون الطبيون، كما تؤكد «المركز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية» CDC، سبب، أو أسباب، الإصابة بهذا المرض.

ألزهايمر مرض عصبي يطال بالضرر المناطق الدماغية المعنية بالسيطرة والضبط للتفكير، والذاكرة، والتعبير والفهم واستخدام اللغة، وقدرات العناية اليومية بالذات واحتياجات الجسم الطبيعية وأنشطة الحياة اليومية. ووفق الإحصائيات الحكومية الصادرة هذا الشهر بالولايات المتحدة، تصل تكلفة الرعاية السنوية لمرضى ألزهايمر، والبالغ عددهم 5 ملايين اليوم، إضافة إلى بقية مرضى خرف العته، إلى أكثر من 183 مليار دولار في عام 2011. والمتوقع أن يرتفع الرقم إلى 1.1 تريليون دولار في عام 2050. وكان الدكتور ويلم ثيز، كبير المشرفين العلميين والطبيين في رابطة ألزهايمر الأميركية، قد صرح في مارس (آذار) الماضي أن عدد ذوي مرضى ألزهايمر الذين يعتنون بهم يوميا يتجاوز 15 مليون شخص، ويمضون في هذه العناية أكثر من 17 مليارا ساعة سنويا من الخدمة «غير مدفوعة الثمن» وفق تعريف سوق العمل. وهو ما يعادل خسارة نحو 200 مليار دولار كقيمة مادية.

وهناك حقيقتان لافتتان للنظر حول ألزهايمر، الأولى، أن ألزهايمر في الولايات المتحدة مثلا، هو السبب السادس في ترتيب أسباب الوفيات بين من هم فوق سن الـ18. والثانية، أن ألزهايمر هو سبب الوفاة الوحيد من بين الأسباب العشرة الأولى للوفيات الذي لا يعرف باعث الإصابة به والذي لا يمكن منع الإصابة به والذي لا يتوفر له علاج والذي لا يمكن إبطاء وتيرة تسارع تدهوره. وعلى الرغم من هاتين الحقيقتين، فإن الاهتمام العالمي بـ«ألزهايمر» تأخر كثيرا، والجهود الطبية في معرفة سببه، وبالتالي معرفة كيفية معالجته، لا تزال في المربع رقم واحد. وعلى سبيل المثال كما تقول الـ«CDC»، لم يتم التوقيع الرسمي على البرنامج القومي الأميركي لـ«ألزهايمر» The National Alzheimer’s Project Act (NAPA) إلا في يناير (كانون الثاني) هذا العام. ويتطلب هذا البرنامج تشكيل مجلس خبراء طبيين، فيدراليين وغير فيدراليين، لوضع استراتيجية قومية للتغلب على ما وصفته بـ«الأزمة المتصاعدة بسرعة» rapidly escalating crisis للإصابات بمرض ألزهايمر في الولايات المتحدة.

والمثال الآخر، أن تحديث الإرشادات الطبية لكيفية تشخيص الإصابة بـ«ألزهايمر» من قبل المؤسسة القومية للشيخوخة ورابطة ألزهايمر الأميركية، تم في أبريل (نيسان) الماضي فقط، هذا مع العلم بأن آخر تحديث ومراجعة علمية طبية لها كان قد تم في عام 1984.

والمثال الثالث، ما ذكره الدكتور ثيز حول واقع الاستنزاف المادي للعناية بمرضى ألزهايمر، وهو أنه من بين كل 28 ألف دولار تُدفع سنويا للرعاية الصحية بمريض ألزهايمر في الولايات المتحدة، لا يذهب منها لجانب تمويل البحوث والدراسات حول معالجة هذا المرض سوى 100 دولار!

الاهتمام لا يزال خجولا بما قد يصيب المرء في «أرذل العمر»، ويصبح ممن «لا يعلمون من بعد علم شيئا».

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]