تأملات صديق عراقي

TT

هذا كثير على أمة واحدة، ولو توزع على أكثر من جيل وأكثر من بلد. كل هذه الآلام وهذه الحروب وهذا الخراب وهذا الجهل وهذه السجون وهذا الفساد وهذا الظلم، وفوقها جميعا شارون وشامير وشركاؤهما. هذا كثير.

كيف ينظر إنسان ولد عام 1948 إلى حياته، في فلسطين وسوريا والعراق ولبنان ومصر واليمن وموريتانيا؟ العرب يغتالون بعضهم بعضا، ويغزون بعضهم بعضا، ويفرضون الخوة على بعضهم بعضا، ويستخدمون في وصف بعضهم بعضا الكلام الشائع بين المومسات. وعليك أن تصمت وغالبا أن تصفق. وفي بعض الحالات عليك أن ترقص كما فعلت فرقة عراقية بعد غزو الكويت ورجالها يرددون «هللي يا عروبة»، بأصوات قبيحة، وإخراج عديم الذوق، والآمر كان مخرب العراق.

شعرت بحزن حقيقي وأنا اقرأ في «ويكيليكس» اللحظات الأخيرة لصدام حسين كما رواها السفير الأميركي خليل زاده: الجلاد يقول للمحكوم: إنك ترتجف، هل أساعدك في لف الحبل؟ والمحكوم يضع الحبل وهو لا يزال يعتقد أن الأميركيين سوف يأتون إلى مفاوضته. فهو الرئيس «الضرورة». هو حامل مفاتيح الحرب والسلام في الأمة.

تخيل كيف عاش عراقي ولد عام 1958 ولم ير سوى ساحات ومشانق وحروب في كل الاتجاهات، وسجون مفتوحة على الداخلين، وسجناء لا يخرجون إلا جثثا، ثم دعوة مفتوحة للاحتلال، وفي النهاية تقوم «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي. وتذكر لبنان الذي أراد القوميون انتشاله من أيدي الرجعية والانعزالية فجعلوا عاصمته تحت جنازير شارون. وتذكر كم حربا في اليمن منذ أن كتب الأستاذ محمد حسنين هيكل أن ضيف مصر الإمام البدر قفز على شجرة القات في حديقة الحيوانات، تاركا مرافقيه. هل أحصيت ما حدث منذ أن وقعت الجمهورية في أيدي هؤلاء الجمهوريين، أو هل تذكر إماما تداور في السلطة كما يفعل الأخ الرئيس؟ هل تذكر ماذا كان الوضع الاقتصادي والفائض المالي في السودان قبل وصول العسكر؟ هل تعرف ليبيا واحدا قتل أيام إدريس الأول؟ هل كنت واعيا عندما فقد العرب كل كرامتهم ونصف أراضيهم عام 1967؟ هل رأيت عسكريا أو مدنيا أحيل إلى المحاكمة بتهمة التقصير أو الخيانة، أو أن جميع من أحيلوا إلى المحاكمات (المضحكة) والسجون، واجهوا تهمة واحدة: محاولة الاستيلاء على السلطة؟

قال لي صديق وسياسي عراقي من جيل الخيبات الكبرى ومتقاعدي السجون الكبرى «هل عشنا كل تلك المحن، أبي وأمي وإخوتي وأولادي وأنا، من أجل أن نرى البطولة الوحيدة في حذاء منتصر الزيدي؟ هل من أجل ذلك الحذاء، حروبنا وهزائمنا وسجن الأحرار وقتل الأصهار وسلوك عدي الذي لم يهتم لتدبير الدكتوراه من جامعة لندن، مثل سيف؟ ألم تكن الأمة تدرك أن معمر القذافي كان قد خرج للتو من المدرسة العسكرية في بنغازي عندما قرر أن ينقذ ليبيا والعرب والعالم؟».