لا أريد أن أخدش حياءكم

TT

أنا، ولا أتعب من ترديد هذه (الأنا)، ليس حبا فيها هي، ولكن حبا فيّ (أنا).

ويبدو أنني بكلامي هذا قد (تشربكت)، ولا أدري كيف أخرج من هذه المعضلة التي أدخلت نفسي فيها بكل عباطة منقطعة النظير؟!، ولكن مثلما للثعلب طرق للنفاذ بجلده، ومثلما للجربوع عدّة مخارج في جحره، فقد يمكنني المولى عز وجل للفصل بيني وبين هذه (الأنا) الرازحة على كبدي مثلما يرزح الحجر الثقيل.

إنني من المطبقين لمقولة: إن الحكمة هي ضالة المؤمن، فأينما وجدها فعليه أن يأخذ بها، لهذا ما فتئت على الدوام أضرب (أكباد الكتب) - على وزن أكباد الإبل - أنبش بين صفحاتها مثلما تنبش (السوسة)، لا أتعب ولا أمل إلا إذا أغمى عليّ في بعض الأحيان، أو إذا غلبني النعاس واستلقيت على ظهري كالمصروع والكتاب مبعثر الصفحات على صدري.

أقرأ في كل المجالات وكل الاتجاهات دون أي خوف أو حذر، ليس لأنني واثق بنفسي، ولكن لأنني مفتون لا أكثر ولا أقل.

وفي الليلة البارحة كنت أستعرض حياة الحكيم الصيني القديم (كونفوشيوس)، وغلبني (هادم اللذات) الدنيوية، ونمت والكتاب مثلما ذكرت لكم سابقا، كان مبعثر الصفحات على صدري، وعندما أفقت في الصباح الباكر، وقبل أن آخذ (الترويقة) - على طريقة إخواننا أهل لبنان - أي قبل أن آكل فطوري المعتاد - الذي لا بد أن يحتوي على شيء من الأجبان مع سبع زيتونات بالعدد، ثلاث منها خضراوات وأربع سوداوات - الله لا يسود حياتي وحياتكم، قولوا: آمين.

المهم أنني قبل أن أتناول (الترويقة)، غسلت وجهي جيدا بالصابون والماء الفاتر، وفرشت أسناني، وتعطرت بما قدرني الله عليه من (الكولونيا) الليمونية الخفيفة التي يحبها قلبي، ونزلت قفزا من الدرج إلى مكتبي في الطابق الأرضي، ولكي لا يهرب مني الموضوع أخذت الكتاب بيدي اليمين أو الشمال لست أدري، وعدت أقرأه من جديد، واسمحوا لي أن أقتطع منه هذه الكلمات التي تفوه بها ذلك الحكيم، وهو يقول بما معناه:

«تقوم الحكومة الصالحة على أركان ثلاثة: طعام يسد حاجة الشعب، وجيش يذود عن حياض الشعب، وثقة تعتمد عليها الحكومة من الشعب. وإذا لم يكن بد من الاستغناء عن أحد الأركان الثلاثة، فليكن الجيش. ثم إذا اضطررنا إلى تخير أحد الركنين الآخرين، الطعام والثقة، فإنني أوثر أن نستبقي الثقة. ذلك لأن الجوع يميت أفرادا من الأمة، أما فقد الثقة فإنه يميت الأمة نفسها».

والآن ماذا تريدونني أن أزيد على هذا الكلام؟!

هل تريدونني أن أطبل أم أرقص أم (أزغرت)؟!، لا مانع عندي أن أفعل ذلك، بل إن عندي الاستعداد أن أفعل أكثر من ذلك.

[email protected]