«اقتل وبيقع صلح»!

TT

هناك مثل شعبي حضرمي الأصل، لكنه معروف لأهل اليمن وهو «اقتل وبيقع صلح»، والمعنى معروف لهذا المثل؛ فالمقصود أنه بتصعيد الأمور ستحسم المسألة بشكل أو بآخر للتراضي كحل بين الأطراف المتنازعة. تذكرت ذلك وأنا أتابع تصريح الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الأخير عن الأوضاع ببلاده وقوله «الظريف» إنه لن يتنحى حتى يتنحى خصومه! ولقد تعود ومل الناس من تصريحات الرئيس اليمني هذه وبات معروفا لهم أنها ما هي إلا محاولات واهية لكسب الوقت حتى يتمكن من إطالة عمره في حكم اليمن، وفي الوقت نفسه من ممارسة كل وسائل الترهيب في حق معارضيه من قتل وتهديد، إذ وصل عدد الضحايا إلى أرقام مفزعة منذ عودة الرئيس اليمني من رحلته العلاجية الطويلة.

حال اليمن يستدعي المعونة والتدخل لإنهاء الوضع المزري القائم حاليا. فاليمن أصبح دولة فاشلة بامتياز لعبت فيها عناصر الحكم الفاسد والقبلية والتطرف الديني، كل على حدة، دورا في تفاقم الأوضاع حتى وصلت إلى طريق مسدود. واستمرار الوضع وبقاؤه على ما هو عليه سيؤدي إلى حرب أهلية لا ترحم أحدا.

علي عبد الله صالح استنفد وقته في الحكم؛ لأنه استهلك وعوده وفقد كل الحلفاء والمؤيدين الداعمين، حتى حليفه التقليدي الأهم الذي أبقاه في الحكم طوال هذه المدة، المتمثل في المساندة القبلية من أهم قبيلتين في اليمن: حاشد وبكيل، انفرط عقده؛ فبعد وفاة الزعيم اليمني عبد الله الأحمر ظهرت طموحات أبنائه في تبوؤ المنصب الأكبر في اليمن، خصوصا في ظل تصاعد مكانة ابن الرئيس، أحمد، المسؤول عن الحرس الجمهوري، مما جعل آل الأحمر، خصوصا الابن حميد الأحمر صاحب النفوذ الاقتصادي الكبير، يدخل على خط «الثورة» عبر محطته الفضائية «سهيل» وتمويله «الخيري» لإطعام الثوار وإغاثتهم، وهو المقتدر اقتصاديا؛ نظرا لمشاركته في معظم المشاريع الكبرى حينما كان جزءا من النظام وكان ذلك التقرب والمشاركة الاقتصادية جزءا من «الضريبة» المفروضة، وقبل ذلك كان آل الأحمر بنفوذهم في بعض جيوب الجيش وبتأثيرهم القبلي على أفراده يغضون الطرف عن توغل الحوثيين في بعض المناطق الحدودية مع السعودية رغبة منهم في إحراج علي عبد الله صالح وأبنائه وأقربائه، وهم النافذون في المؤسسة العسكرية اليمنية، لكن علي عبد الله صالح فطن لذلك الأمر واستغله جيدا.. تلك المشاهد كلها ما هي إلا أدلة دامغة على سقوط النظام الذي بناه علي عبد الله صالح وهو الذي جاء إلى الحكم في ظروف مريبة وغامضة جدا بعد اغتيال الرئيس اليمني أحمد الغشمي في ظروف غير مفهومة عن طريق حقيبة مفخخة وصلت إليه من الرئيس اليمني الجنوبي وقتها، سالم ربيع علي، وجاء علي عبد الله صالح للحكم بعد ذلك بشهر.

وإلى آخر لحظة يحاول الرئيس اليمني إخراج كل المفاجآت من قبعته السحرية، فتعلن وزارة الدفاع لديه عن اغتيال أنور العولقي، المطلوب الدولي على قائمة الإرهاب، وذلك في عملية تفجير لسيارته عبر صواريخ أطلقت عليها (علما بأن العولقي تم «الإعلان» عن اغتياله مرتين قبل ذلك، إلا أن الخبر هذه المرة كان صحيحا)، وذلك لكي يرسل رسالة للعالم أنه هو أقدر واحد في اليمن على مكافحة الإرهاب، وبهذا العمل كان أشبه بمن يقدم «عربون محبة» للعالم لأجل بقائه في الحكم.

النظام في اليمن معناه وحدة البلاد المعرضة للتمزيق في حال بقاء الوضع على ما هو عليه من تسلط للحكم الفاسد وطغيان المحاسيب والأنصار وانتصار القلبية على المدنية وتوغل المذهبية واستشراء المناطقية، وكلها علل قاتلة لأي كيان. «اقتل وبيقع صلح» يبدو أنه في حالة اليمن الحالية إذا استمر الوضع على ما هو عليه سيتحول إلى «اقتل.. وبيقع صالح»!

[email protected]