دولة فلسطينية بجوار إسرائيل.. حل يحقق مكاسب الشعبين

TT

وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى نيويورك في وقت سابق من هذا الأسبوع، وتعهد للشعب الإسرائيلي بـ«الدفاع عن أناس معرضين لهجوم من جانب هؤلاء المعارضين لوجود إسرائيل من الأساس». ومن التصريحات المقتضبة من جانب الحكومة، بات المواطن الإسرائيلي العادي في حالة من الهلع متسائلا عن الطبيعة الفعلية للخطر الذي يهدد وجود إسرائيل، والذي تنبأ به نتنياهو بشكل مشؤوم في مبنى الأمم المتحدة.

غير أنه في ما وراء محاولة تشويه الحقيقة، يسعى نتنياهو إلى عرقلة الخطوة الأساسية التي من شأنها أن تنقذ إسرائيل؛ وهي الاعتراف بدولة فلسطينية وفقا لحدود 4 يونيو (حزيران) 1967.

الحكومة الحالية تتحدث بصخب عن أن الطلب الفلسطيني المقدم إلى الأمم المتحدة يهدف بشكل جزئي إلى صرف الاتجاه العام داخل المجتمع الإسرائيلي عن إدراك حقيقة أن هذا هو توجه كثيرا ما كان يروج له اليسار الإسرائيلي على مدار العقود القليلة الماضية. ويضم اليسار - المؤلف من أحزاب سياسية مختلفة ومشهد بسيط، ولكن فعال، لمجتمع مدني - في جعبته نطاقا من الآراء منها ما هو صهيوني ومنها ما هو غير صهيوني. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يتبنى الاعتقاد الذي مفاده أن حل الدولتين وتقسيم الأراضي أمر ضروري، إذا ما أرادت إسرائيل الوفاء بالتزاماتها بالحفاظ على اليهود كأغلبية ديموغرافية وإرساء نظام ديمقراطي، الذي بموجبه لا يتسيد شعب على الآخر. وبينما أسهمت حكومات تيار اليسار في الماضي بالفعل في بناء المستوطنات، فإنه في السنوات الأخيرة اتخذت هذه المجموعة من الجماعات الإسرائيلية المنتمية إلى تيار اليسار خطوات فعالة تهدف لمعارضة تلك السياسات وثيقة الصلة ببناء المستوطنات.

وبصفتي منتميا لليسار في المجتمع الإسرائيلي، أرغب في أن أقول بأعلى صوتي وبكل وضوح إننا لا نقبل أساليب نتنياهو المروعة. سيكون قيام دولة فلسطينية بجوار إسرائيل حلا يحقق مكاسب للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. لقد أضر الاحتلال طويل الأمد بإسرائيل، إذ هدد مستقبلها كوطن للشعب اليهودي وقوض نسيج مجتمعها، يبدو وكأنه قد حان وقت نهاية إسرائيل.

وبينما انقسمت الآراء حول إمكانية إحداث العرض الفلسطيني المقدم للأمم المتحدة تغييرا حقيقيا ملموسا على أرض الواقع، يبدو من الواضح أن هذه المحاولة الفلسطينية لاستغلال المبادرة هي خطوة مبتكرة تهدف إلى القضاء على حالة اللامبالاة الحالية بشأن المفاوضات، التي قد استمرت لمدة 18 عاما، لكنها لم تبلغ ذروتها بعد، ممثلة في قيام دولة فلسطينية مستقلة.

وتبدو سمات المعارضة الحالية من جانب الحكومة الإسرائيلية لمبادرة أبو مازن تجسيدا لنوع من الرياء. بشكل أساسي، تعكس المبادرة الفلسطينية تاريخ إسرائيل ومحاولاتها تحقيق هدف الاعتراف بها في الساحة نفسها في عام 1949. وعلى غرار الشعب اليهودي، يعتبر الشعب الفلسطيني شعبا له ثقافة وتاريخ، ويستحق أن تكون له دولته الخاصة، ولا يجب أن يكون هذا بمثابة منحة تتفضل بها إسرائيل على الفلسطينيين، وإنما هو حق بديهي وطبيعي مخول لهم.

إضافة إلى ذلك، فإنه خلاف المنبر الذي تم تقديم العرض الفلسطيني إليه، ليس ثمة أي شيء جديد مقترح في سياق هذا العرض. المبادرة تطالب الأمم المتحدة بالتركيز على الجوانب الإقليمية للصراع وفقا للحدود التي تم، نظريا، الاتفاق عليها من قبل الحكومات الإسرائيلية السابقة. وستتم مناقشة الجوانب غير الملموسة للنزاع، جوانبه الشعورية الأكثر تعقيدا، مثل مستقبل القدس ووضع اللاجئين الفلسطينيين، مثلما أوضح عباس في مفاوضات مباشرة. ولن يحل العرض المقدم للأمم المتحدة محل هذه المفاوضات.

نتيجة لذلك، لم تكن هذه المبادرة تهدف إلى إظهار إسرائيل بشكل عام في صورة الشيطان، وإنما، بحسب كلمات عباس، كان هدفها هو إبطال شرعية الاحتلال الإسرائيلي. وهناك قدر من الاختلاف هنا في موقف اليسار الإسرائيلي، الذي كثيرا ما نظر إلى الاحتلال الإسرائيلي باعتباره يفتقر إلى الشرعية.

تعتمد معارضة نتنياهو المعلنة للعرض الفلسطيني المقدم للأمم المتحدة على الجدل العقيم الذي مفاده أنها خطوة أحادية الجانب تهدف إلى تجنب المفاوضات الثنائية. غير أن اليسار الإسرائيلي قد قضى العامين الماضيين، اللذين شغل فيهما نتنياهو منصب رئيس الوزراء، في معارضة مبادراته العديدة لتوسيع نطاق المستوطنات الإسرائيلية أو تشكيل حقائق على أرض الواقع حول كيف يمكن أن تجري المفاوضات في الوقت الذي تستمر فيه الحكومة الإسرائيلية في توسيع المستعمرات في القدس الشرقية، المخصصة كعاصمة مستقبلية لفلسطين؟

من الواضح لقطاع مسموع من المجتمع الإسرائيلي أن نتنياهو ليس جادا بشأن الوصول إلى حل سلمي مع دول الجوار. وفي حالة وجود حكومة مختلفة في إسرائيل، لأمكن الارتكاز على زخم هذا التصريح في مناقشة القضايا المتبقية مع السلطة الفلسطينية. لكن نتنياهو منشغل بتقويض مبادرة أبو مازن؛ الأمر الذي يحمل في متنه تبعات خطيرة بالنسبة لأمن إسرائيل، نظرا لأنه ليس من المحتمل أن تجد إسرائيل شريكا أكثر استعدادا من السلطة الفلسطينية.

وبدلا من تأمين مستقبل إسرائيل، سيتجه نتنياهو للاحتفاظ بدعم قاعدة تيار اليمين المحلي ويمنع أفيغدور ليبرمان، وزير خارجية إسرائيل المتهور صاحب التوجه العنصري، من التفوق عليه سياسيا. غير أن قاعدة تيار اليمين لا تمثل الدولة بأكملها.

هناك أصوات أخرى تعبر عن رأيها بحرية. وهذه الآراء تعارض بقوة الخطوات المتهورة من جانب الكونغرس الأميركي والهادفة إلى منع تقديم تمويل للسلطة الفلسطينية، في حالة الموافقة على طلبها بالاعتراف بدولة فلسطينية.

لذلك، بدلا من مقابلة هذه المبادرة بحالة من التشاؤم مثلما فعلت الحكومة، اختار بعض الإسرائيليين الاعتراف بهذا الحدث من خلال احتفالات مشتركة. ويشمل هؤلاء «جماعة مقاتلين من أجل السلام» الفلسطينية – الإسرائيلية، والشعبة الإسرائيلية من مجموعة الصوت الواحد. وفي وقت مبكر من هذا الأسبوع، نظمت مظاهرات أمام مقر إقامة رئيس الوزراء في القدس، من جانب حزب ميرتس السياسي. في الوقت نفسه، من المقرر تنظيم مظاهرات يوم الجمعة في التقاطعات المرورية الرئيسية بمختلف أنحاء الدولة. ويتحدث محللون سياسيون إسرائيليون منذ وقت طويل في وسائل الإعلام الإسرائيلية، من خلال أصوات مثل تسفي باريل تقترح اتخاذ مزيد من الخطوات لدعم موقف إسرائيل أمام المجتمع الدولي، مثل إنشاء سفارات في الضفة الغربية والاعتراف بجوازات السفر الفلسطينية.

وتظهر استطلاعات الرأي بشكل دائم أن الاتجاه العام السائد في المجتمع الإسرائيلي يؤيد فكرة أن حل الدولتين هو السبيل لإنهاء النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي.

ستكون توصية نتنياهو في الأمم المتحدة هي إعماء أعين الأغلبية الإسرائيلية الصامتة عن حقيقة أن طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية المقدم للأمم المتحدة يمكن أن يقترب بهم من تحقيق تلك الأمنيات. وباعتبار أن الحكومة لن تقولها صراحة، سأقولها نيابة عنها: فلسطين، ألف مبروك. كم أتطلع للعيش جنبا إلى جنب معك!

* مواطن بريطاني – إسرائيلي يعيش في القدس ويعمل من أجل حل النزاع