ملوك العرب يحملون راية الثورة

TT

صرح العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، قبل أيام تصريحا خطيرا في إطار المجتمع السعودي، بإدخال المرأة عضوا كاملا في مجلس الشورى وإعطائها حق الترشح للمجالس البلدية. مجرد جلوس المرأة السعودية بجانب الرجال في مجلس ومحاسبتهم عما قاموا به من أعمال ثورة سياسية واجتماعية عميقة الأبعاد يضاف لسلسلة الثورات الصغيرة الهادئة التي قننها عبر السنوات هذا العاهل الحكيم ابن ذلك النبراس الساطع للحكمة العقلانية الملك عبد العزيز رحمه الله.

لقد زرت السعودية بضع مرات، واختلطت بأهلها على شتى المستويات، ورجعت وأنا أحمل هذه الحكمة في رأسي، وهي أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعد حكومتها أكثر تقدمية من شعبها، ربما باستثناء الولايات المتحدة في عهد أوباما الآن.

كما يعرفني الكثيرون، أنا رجل قضيت حياتي جمهوريا وثوريا واشتراكيا. لكنني أضيف لهذه الصفات أيضا صفة «عقلانيا». وعلمني العقل أن جل هذه النكسات والتشرذمات والفوضى وفضائح الفساد التي مر بها العالم العربي وما زال، تعود جل خيوطها لقيام الأنظمة الجمهورية الثورية وإسقاط الأنظمة الملكية. الإصلاحات الحقيقية والحكيمة قامت وتقوم بها هذه الأنظمة الملكية في السعودية والمغرب والأردن وسلطنة عمان والبحرين وإمارات الخليج.

هناك من يرد علي ويشير إلى الإصلاحات الكبيرة التي قامت بها الأنظمة الجمهورية الثورية، كالقضاء على الإقطاع والإصلاح الزراعي والضمان الاجتماعي. هذه يا سادتي إصلاحات جرت في كل العالم، ونفذت غالبا من دون ثورات وقاتل ومقتول. وكانت الأنظمة الملكية في الثلاثينات تفكر بها وتخطط لها. ربما أبطأت في التنفيذ وتعرقلت بقلة الموارد آنئذ. كان علينا أن ندعمها وندفعها للتنفيذ بدلا من التآمر لإسقاطها.

ما يغيب عن أذهاننا غالبا أن التخلف مرض عضال يصعب جدا علاجه. كلنا لنا عجائز في أسرتنا. جرب يا سيدي أن تصلح تفكير أي واحد منهم أو تخلصه من الخرافات التي تعلق بها أو تغير عاداته في الأكل والشرب واللبس. كان والدي رحمه الله يلبس الجبة والعمامة في العهد العثماني. نصحوه بعد استقلال العراق بأن يترك ذلك ويلبس السترة والبنطلون ليتقدم في الحياة.. فقال «كان والدي يلبس هكذا ولن أغير ما تعلمته منه». عاش ومات بالجبة والعمامة، وبقي معلما في مدرسة ابتدائية، في حين ارتقى أقرانه المبنطلون للمناصب العليا في البلاد. استغرقت أوروبا التي تبهرنا الآن بتقدمها نحو سبعة قرون للتغلب على تخلفها. من الحمق أن نتصور أننا نستطيع تحقيق ذلك في بضعة أشهر. لا بد من الارتقاء والتقدم التدريجي، خطوة خطوة، نقلة نقلة. يمكن التسريع بهذه الخطوات بالتعليم والتوعية والقضاء على الأمية والاستعانة بمن هم أقدر منا وأعلم وأكفأ.

ليس لنا جميعا غير أن نرفع أيادينا للسماء وندعو الله أن يمن على الملك عبد الله بن عبد العزيز بطول العمر ووافر الصحة، لينفذ كل ما في ذهنه من إصلاحات تنتظر دورها في التنفيذ الوئيد والحكيم.. خطوة خطوة، نقلة نقلة.