دروس في اللينينية

TT

في مصادفة مجردة – وممتعة بلا حساب – أقرأ في كتابين لمؤلفين من بولندا: ريزارد كابوشنسكي، الذي حدثتكم عنه مرارا، والذي بسبب رداءة خطي ينتهي إلى جنابكم تحت اسم رابوشنسكي أحيانا، وسيزلوف ميلوز، والسجع ليس من عندي بل من عند الألفباء البولندية، التي تشكل أجمل الآداب في أعقد اللغات. اسم زيغنيو بريجنسكي مثالا.

يروي كلاهما، كيف حاول الروس «روسنة» بولندا، المرة الأولى في القرن التاسع عشر، أيام القيصر، والثانية قبيل الحرب العالمية الثانية أيام السوفيات. في الأولى، يقول ميلوز، أو ميلوشوز، أو ميلوزوش، جاء الروس إلى المدارس ومعهم السحرة من أدبائهم وشعرائهم: بوشكين، غوغول، تورغنيف. كانوا يعرفوا أن الأثر الأكبر في النفوس هو أثر الأدب. وقد أدرك السوفيات لاحقا أهمية ذلك، فأطلقوا على حاملات الطائرات أسماء مثل بوشكين ودوستويفسكي.

في الأيام الأولى للدوغماتية والآيديولوجيا العمياء، اتخذت «الروسنة» في بولندا شكلا آخر. يدخل كابوشنسكي المدرسة وهو في السابعة في العمر، فيجد أن عنوان كتاب القراءة هو «دروس في اللينينية» وأن الألفباء تبدأ بحرف السين. ولا يدرك الفرق ولا الأهمية. لكن أحد رفاق الصف يقول للمدرس: ألا يفترض عادة أن تبدأ الأبجدية بحرف الألف؟ فيجيب المدرّس دون أن يتطلع إليه: «ذلك في البلدان التي ليست متشرفة بزعامة ستالين».

أعتقد أنه لو خيّر أي طالب آداب في العالم، لاختار الكثير من الأدب الروسي. وفي ثلاثينات القرن الماضي – خلافا للقرن السابق – كان قد تجمع من روائع الأدب الروسي ما يكفي لاجتذاب طلاب العالم، لكن مفوض التربية في الحزب، أو مفوض المفوض، يقرر أن يطل على قلوب الأطفال في الريف البولندي بـ«دراسات من اللينينية». الآلة الدعائية الأميركية كانت تبني رسائلها حول كبار عازفي الجاز، أو نجوم السينما، أو الناجحين من المهاجرين. توزع في أوروبا الشرقية الكتب حول مخرجي هوليوود القادمين من هناك، وفي بريطانيا حول الممتلين الذين احتلوا هوليوود، وفي بلد مثل لبنان صور الطيارين اللبنانيين الذين أبلوا في السلاح الجوي خلال الحرب العالمية الثانية.

كذلك أرسل الفرنسيون كتب الأدب والمدرسين وقصص الفرسان. ولم ينج أحد من أبناء جيلي من قراءة قصص اللص الظريف أرسين لوبين، أو روايات روكامبول، التي يدور معظمها في طولون. وعندما كبرت ذهبت إلى طولون لأتأمل مسرح الروايات، لكنني كنت قد نسيت أسماء جميع المواضع والمواقع ولم يبق سوى اسم روكامبول واسم طانيوس عبده، مترجم الروايات.

لا أعرف كيف كان الشيوعيون العرب يجتذبون الرفاق الجدد. لكن أنسي الحاج يقول إنهم نجحوا جميعا، في كل صحيفة ذهبوا إليها، وأخفقوا في إصدار صحيفة أو مجلة قابلة للقراءة. تماما كالفرق بين «روسنة» بولندا في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين. بدل بوشكين، تبدأ ألفباء بحرف السين. ستالين.