لست بقاض.. ولا كاتب عدل.. ولا عاقد أنكحة

TT

كنت وما زلت أظن أن لدي شيئا من الفراسة والألمعية، وأنني إذا وزنت الأمور أوزنها صح، وإذا حكمت أحكم بالقسط.

هذا هو ما توسمته بشخصيتي غير المتواضعة في هذا المجال بالذات، لهذا ما فتئت بين الحين والآخر أن أبحث عن المسائل العويصة لأجرب حظي في حلها.

وبالأمس كنت أتصفح مجلة اجتماعية، ووقع بصري على موضوع هذا هو عنوانه: (لو كنت قاضيا، فبماذا تحكم؟!).

وقبلت التحدي، وأخذت أقرأ بسرور بالغ وتركيز جيد - خصوصا أنه كانت من أمنياتي في مقتبل عمري أن أصبح (قاضيا) يقبل الناس يديه احتراما، وإذا لم يكن (فكاتب عدل) ينافق له الناس، أو حتى على الأقل (عاقد أنكحة) يتبركون به-، غير أن مزاجي المضطرب على الدوام لم يهيئني للسير في هذا الطريق المستقيم، وإنما قذف بي في أتون (مطبّات الهوى)، وجاء في ما قرأته:

«إنه عندما أفلس (روبرت)، أمرت المحكمة بأن يسلم كل موجوداته إلى وكيل الدائنين، وطالبه الوكيل بتسليم جهاز التلفزيون الذي يمتلكه ولكنه امتنع فرفع الوكيل الأمر إلى القضاء.

واحتج روبرت قائلا: إنكم لا تستطيعون إجباري على التنازل عن جهاز التلفزيون لسببين؛ هما: أن قانون الإفلاس يستثني الآلات الموسيقية وأثاث المنزل، وجهاز التلفزيون يعتبر من النوعين.

ورد الوكيل ساخرا قائلا: إن جهاز التلفزيون ليس قطعة أثاث.. إنك لا تستخدمه في النوم أو الجلوس، وهو ليس آلة موسيقية لأنه لا يصلح للعزف عليه.

لو احتكم إليك الخصمان، فلأيهما تحكم بجهاز التلفزيون؟».

الواقع أنني تعاطفت مع (روبرت) المفلس، وهذا شيء طبيعي لأنني أتعاطف مع كل المفلسين والمفلسات كذلك.

لهذا لو كنت قاضيا فسوف أحكم أن التلفزيون ما هو إلا آلة موسيقية، لأنني بواسطة هذا الجهاز العجيب سمعت أحلى الأغاني، (وسلطنت) عليه في أروع السهرات الحميمة.

وإذا كنت أقضي بمشاهدة وسماع الأخبار في (الجزيرة) أو (العربية) خمس دقائق في اليوم، فإنني أقضي بمشاهدة وسماع والتصفيق لقنوات (روتانا والذهبية، والخليجية ونجوم وميوزك بلس ووناسة) خمس ساعات في اليوم الواحد على الأقل.

غير أنني ما إن قلبت صفحة المجلة، حتى صدمت عندما قرأت الحكم النهائي عليه والقائل: حكمت المحكمة بإعادة التلفزيون إلى وكيل الدائنين، باعتبار أنه لا يعد من قطع الأثاث الأساسية في المنزل، كما أنه ليس آلة موسيقية في ذاته، فضلا عن أنه ليس ضروريا لحفظ كيان الأسرة أو تعليم الأطفال، أو الاحتفاظ لها بالمظهر اللائق في الحياة، فلا مبرر لاستثنائه.

[email protected]