إنني أحاول دائما!

TT

لا بد أن تكون أولى محاولاتي الأدبية نوعا من محاولة الحديث مع النفس عن النفس.. لذلك وجدتني أكتب مذكرات شخصية وأنا طالب في المدرسة الثانوية، وقلت في هذه المذكرات فيما بعد، فلاحظت أنني كتبت عن المدرسين والباعة والحلاقين والطلبة وكنت حريصا جدا على أن أجعل هذه المذكرات في مكان بعيد عن الأيدي والعيون.. لكن لماذا؟ وما الذي قلته؟!

لا شيء أكثر من محاولة إبداء رأي في كل الناس دون الحديث معهم.. وهذا يدل على الخوف الذي دفعني إلى اتخاذ موقف عدائي من الجميع.. أو موقف دفاعي من كل الذين حولي.. فأنا وحدي.. وأنا أقوم بمحاولات سرية.. وهي سرية لأنني غير مطمئن إلى قدرتي على شيء!

وبعد ذلك لا بد أن أكون قد حاولت كتابة القصة القصيرة التي تروي ما لم يحدث في حياتي، فأجعلها تدور حول ما أتمنى أن يكون قد حدث..

ومعنى هذه القصص والمحاولات الشعرية أيضا أنني أدور حول نفسي وأحصنها ضد الناس.. فأنا في حالة دفاع عن النفس.. مع أن أحدا لم يعتدِ علي أو يعتدِ على شيء أملكه.. ولا أذكر أنني كنت أملك أي شيء.. وربما الشيء الوحيد الذي أملكه هو القدرة على إخفاء ما يخصني أو الرغبة في التخفي.. وفى التخفي أمارس حريتي في الخوف من الناس.. والوقوف على مسافة منهم!

لذلك لاحظت في كل ما كتبته في هذه الفترة أنني أرثي لحالي وأسخط على الناس.. ومعنى ذلك أنني أقيم لنفسي حفلة تكريم تلمع فيها دموعي وسيوف الآخرين.. المهم أنها حفلة لامعة! لكن بلا مناسبة.. وإنما المناسبة فقط في نفسي!

وأذكر أن أول قصة كتبتها في حياتي كان عنوانها «الفارس الذي وقع من فوق الحصان» وكان عنوانها طويلا غريبا.. لكني وضعته هكذا ولم أناقشه.. ولا أحد بعد ذلك.. والفارس الذي وقع هو إنسان آخر.. وهذا الفارس كان يمثل فوق حصانه ويتفرج عليه إخوته.. وفجأة وقع من فوق حصانه.. وكانت تحت قدمي الحصان بئر! وفي هذه البئر سقط الفارس وظل يردد أبياتا من قصيدة له على الرغم من أنه كاد يغرق.. وآخر ما سمع الناس منه هو قوله:

ويــــــــــا بنت الأقــــــــــاح إذا الــتـقـــيـنـــا

تـعـــــــانـقـــت الأنــــامـــــــل في يــــــــــــــديـنـــــــــا

وهذا الشعر من نظمي.. وهو، كما ترى، مهزوز غريب في مفرداته!